للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وخلاصة آراء الفقهاء في هذا الموضوع هي أن الجهالة التي ترجع إلى وجود الأجل تفسد العقد باتفاق، وذلك مثل التأجيل إلى حبل الحبلة، أو إلى قدوم حاج معين.

أما الجهالة التي ترجع إلى وقت حصول الأجل، أي التي يكون فيها الأجل محقق الحصول، لكن الوقت الذي سيحصل فيه غير محدد، مثل البيع أو السلم إلى الحصاد، أو إلى قدوم الحاج، فقد اختلفوا في إفسادها للعقد، فقال الحنفية، والشافعية، والحنابلة في رواية، والظاهرية، والشيعة الإمامية: هي مفسدة للعقد، كالجهالة التي ترجع إلى وجود الأجل، وقال المالكية، والحنابلة في رواية لا تفسده (١) .

وإني أرجح رأي المالكية في أن الجهالة التي ترجع إلى وقت حصول الأجل لا تفسد العقد، لأن الأجل سيجيء حتما، وقد يكون للعاقد غرض صحيح من هذا التأجيل، كما في التأجيل إلى الحصاد وكون الحصاد يتقدم وقته تارة، ويتأخر أخرى، لا يؤدي إلى المنازعة، لأن المتعاقدين قد أبرما العقد، وهما يعلمان ذلك، فليس للمسلم أن يطالب المسلم فيه قبل الحصاد، إذا تأخر، وليس للمسلم إليه أن يمتنع عن التسليم عند الحصاد، إذا تقدم الحصاد.

هذا وقد اشترط بعض الفقهاء أن يكون الأجل معلوما بالأهلة (٢) ، وقد شدد الشافعي في هذا فقال: (ولا يصلح بيع إلى العطاء ولا حصاد، ولا جداد، ولا عيد النصارى، وهذا غير معلوم، لأن الله تعالى حتم أن تكون المواقيت بالأهلة فيما وقت لأهل الإسلام، فقال تبارك وتعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ} [البقرة: ١٨٩] ، وقال جل ثناؤه: {شَهْرُ رَمَضَانَ} [البقرة: ١٨٥] ، وقال جل وعز: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: ١٩٧] ، وقال: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ} [البقرة: ٢١٧] ، وقال: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: ٢٠٣] .


(١) انظر تفصيل هذا الموضوع في كتاب الغرر وأثره في العقود ٢٧٨- ٢٩٤
(٢) انظر الأم للشافعي ٣/٨٤ والمغني لابن قدامة ٤/٣٢٤

<<  <  ج: ص:  >  >>