٢- الآثار السلبية لغلبة المرابحة والبيوع الآجلة في العمل المصرفي الإسلامي:
إن رجل الشارع يكاد يشعر أنه لا فرق بين عمليات التمويل عند البنوك الإسلامية والتي عند البنوك الربوية؛ لأن كلتيهما تنتهيان بدين محدد المقدار على العميل سداده بعد فترة من الزمن، بغض النظر عن نجاحه أو فشله في إدارة المشروع الممول. أو بتعبير آخر، التطبيق التمويلي لعقد المرابحة القديم يمكن الممول من الحصول على عائد محدد مضمون على رأس ماله. وكل ما يميزه من التمويل بالقرض هو شكليات وتعبئة استمارات توهم من يحب مثل هذا الوهم أن الممول قد اشترى شيئاً حقيقياً فأدى ثمنه نقداً ثم باعه العميل (الممول) بثمن (أعلى من ثمن الشراء) مؤجل –لأن الذي كان يجري بالفعل لدى عدد من البنوك هو أن العميل الممول هو الذي يستلم البضاعة من البائع الأول الذي يستلم الثمن نقداً من الجهة الممولة وهي البنك.
ومن الحق أن يقال: إن الصورة الآن اختلفت تماماً من الصورة المبينة أعلاه بعد تعديل الصيغ المستعملة لدى البنك الإسلامي للتنمية ومعظم البنوك الإسلامية وفق توصيات المجمع الفقهي، والتي تحتم الفصل بين عمليتي الشراء من قبل الجهة الممولة وعملية البيع من قبل نفس الجهة.
ومن الممكن أن نقول: إن ممارسة المرابحة في هذه الصورة الصحيحة شرعاً تختلف في بعض آثارها الاقتصادية من التمويل بالقرض الربوي، فإنها تضمن أن التمويل يحرك عجلة الاقتصاد بنقل سلعة حقيقية من مالك إلى مالك آخر ينوي استعمالها في مشروع إنتاجي أو تجاري، الأمر الذي ليس مضموناً في التمويل بالقرض، ولو كان مراعياً في أغلب الأحوال، كما يمكن أن يقال: إن المبلغ المحدد ثمناً مؤجلاً يكون تحديده نهائياً لا يقبل الزيادة بزيادة الأجل، لأي سبب كانت الزيادة (نظرة من قبل الممول أو مماطلة من قبل الممول) خلافاً للتمويل بالقرض الذي تتراكم فيه الفوائد بزيادة الأجل حسب السعر المتفق عليه، وعلى الصعيد الكلي، يمكن أن نقول: إن التوسع النقدي الناجم من التمويل بالمرابحة أقل حجماً من التوسع النقدي الناجم من التمويل بالقرض الأمر الذي ناقشناه في بحث آخر. (١)
(١) محمد نجاة الله صديقي: ورقة حول أثر أساليب التمويل الإسلامية على التوسع النقدي، وجهة نظر البنوك المركزية والسلطات النقدية في دول منظمة المؤتمر الإسلامي مقابل رأي البنوك الإسلامية، واقتصاديين مستقلين، أبو ظبي، ١٩٨٩ من أعمال الاجتماع الخامس للجنة خبراء البنوك المركزية والبنوك الإسلامية. (تحت رعاية البنك المركزي بدولة الإمارات العربية المتحدة) .