إن الحاجة كبيرة إلى التعبير عن المتوسط العام للأسعار بطريقة دقيقة متفق عليها، وقد بذلت كثير من الجهود النظرية والتطبيقية من قبل الإحصائيين والاقتصاديين في هذا الشأن منذ منتصف القرن التاسع عشر الميلادي، حتى صار من الشائع في جميع دول العالم اليوم أن تقوم جهة رسمية لديها موظفون متخصصون بجمع البيانات اللازمة وحساب الأرقام القياسية للأسعار في فترات دورية سنوية أو شهرية.
هناك عقبتان فنيتان تواجهان أية محاولة لحساب رقم قياسي عام للأسعار، ويحتمل أن لهما في الوقت نفسه علاقة بالحكم الفقهي عن ربط الأجور بالأسعار، فأوضحهما الآن؛ أولهما: كيفية اختيار (سلة السلع) التي تدخل في حساب الرقم القياسي، وثانيهما: كيفية تحديد الوزن النسبي، أي درجة الأهمية التي تعطى لكل سلعة ضمن سلة السلع المختارة.
٣- ١- سلة السلع:
ونقصد بها قائمة السلع (والخدمات) التي ستدخل أسعارها في حساب المؤشر (الرقم القياسي)
نلاحظ ابتداءً أن السلع (والخدمات) المتداولة في أي مجتمع مدني معاصر تعد بالألوف المؤلفة؛ إذ لا يكفي أن نعد أجناس السلع، بل إن السلع (والخدمات) ضمن الجنس الواحد تعد بالعشرات، فالورق جنس تحته عشرات الأنواع، فبعضها لطلاب المدارس وأخرى لمطابع الكتب وأخرى للصحف اليومية، وكل من هذه الأنواع تحته أصناف تختلف أوصافها ومستوياتها في الجودة، وتختلف أسعارها، وما قلناه عن الورق يصدق على إطارات السيارات، وخدمات الأطباء والمستشفيات، بل إن طعاماً طبيعياً غير مصنوع كالتمر تحته عشرات الأنواع التي يزيد أحياناً سعر أعلاها عن أدناها بأكثر من عشرة أضعاف.
والأرقام القياسية الفعلية لا تأخذ بالحسبان إلا أسعار عشرات أو مئات السلع المختارة، وهذه نسبة مئوية صغيرة جداً من مجموع السلع في المجتمع قد يبدو أنها لا يمكن أن تدل دلالة صحيحة على حركة أسعار جميع السلع والخدمات.
لكن يلاحظ بالمقابل أن السلع الداخلة في سلة السلع يتم اختيارها فنياً بحيث تمثل الأجناس الرئيسية للسلع المتداولة، وتبين النظرية الاقتصادية أن أسعار السلع ضمن الجنس الواحد، لأنها بدائل لبعضها البعض، تتحرك باتجاهات متقاربة في الغالب.
لذلك يمكن لأسعار عدد صغير نسبياً من السلع المختارة بعناية أن تعبر بصورة جيدة عن حركة أسعار أعداد كبيرة من السلع.