للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولهذه المسألة نفسها أبعاد أخرى، فالمتوقع أن أصحاب الأعمال الذين نلزمهم برفع معدلات الأجور لعمالهم بما يتناسب مع الزيادة العامة التي يسجلها الرقم القياسي للأسعار لن يعانوا من هذه السياسة إذا كانت الإنتاجية قد ارتفعت لديهم بما يفوق التغير في الأجور، أما بالنسبة لأصحاب الأعمال في الأنشطة التي لم تتغير فيها الإنتاجية أو ربما انخفضت، فإنهم سوف يواجهون نقصاً في أرباحهم بسبب سياسة ربط الأجور بالمستوى العام للأسعار، وفي ظل اقتصاد يعتمد على السوق وحرية التعاقد واتخاذ القرارات المحققة للمصلحة الخاصة سوف يقوم رجال الأعمال الذين تتأثر أرباحهم بسبب السياسة المذكورة بالنظر في احتياجاتهم الفعلية من العمال، ولن يكون أمراً غريباً إذا قام بعض هؤلاء بإنهاء عقود بعض العمال بدلاً من زيادة أجورهم، بل ربما أدت السياسة نفسها إلى إغلاق بعض المشروعات التي كانت أصلاً تعاني من خسارة سابقة، ومن ثم تسريح عمالها، وهكذا يمكن أن يتسبب الربط التلقائي للأجور بالرقم القياسي للأسعار إلى بطالة عمالية غير مرغوبة اقتصادياً واجتماعياً.

وبناء على ما سبق فإن أول الشروط الكافية لسياسة ربط الأجور بالرقم القياسي للأسعار أن يتم تنفيذها من خلال السياسة الاقتصادية الكلية التي تعالج التضخم والتي ترسمها وتشرف على تنفيذها السلطات الاقتصادية للدولة، ومن خلال هذه السياسة الكلية قد يتقرر السماح بزيادة الأجور على المستوى بمعدل لا يزيد عن ٥ % بينما أن الرقم القياسي للأسعار قد سجل ارتفاعاً قدره ١٠ % مثلاً، والسلطات الاقتصادية قبل اتخاذها لمثل هذا القرار ستعمل على تقدير الأثر العام للزيادة في الأجور على المستوى العام للأسعار والانعكاسات المتتالية لهذه العملية على النشاط الاقتصادي، وقد يظن لأول وهلة أن في هذا ظلما واقعا على العمال حيث تتدهور الأجور الحقيقية، ولكن ليس الأمر كذلك بالضرورة؛ لأن علاج التضخم بتخفيف حدته أو بالتخلص منه هو الحل الأساسي للمشكلة، ومن ثم فإن له أولوية على علاج المشاكل المترتبة عليه، بعبارة أخرى قد تتحقق مصلحة الجميع حينما نرجئ الزيادة النقدية في الأجور بالرغم من الارتفاع العام في الأسعار، أو نسمح بهذه الزيادة ولكن بمعدل يقل عن معدل الارتفاع العام في الأسعار.

<<  <  ج: ص:  >  >>