للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثانياً: أن حديث عثمان رضي الله عنه نص على العدد فقال: لا تبيعوا الدينار بالدينارين. والبائع في مثالنا السابق باع خمسين ألفاً باثنين وخمسين ألفاً وخمسمائة ريال. فتحقق بيع الدينار بالدينارين، فشمله النهي، فكان حراماً، والعقد فاسداً.

وهذا هو الذي فهمه العلماء المحققون، ونصوا عليه. جاء في المغني: (وإن كانت الدراهم يتعامل بها عدداً، فاستقرض عدداً، رد عدداً، وإن استقرض وزناً رد وزناً) (١)

ونصوصهم السابقة وغيرها واضحة جلية في عدم اعتبار أي فارق في العدد مع وجود الغلاء والرخص، فهذا موفق الدين بن قدامة يقول: (وأما رخص السعر فلا يمنع ردها، سواء كان كثيراً، مثل أن كانت عشرة بدانق، فصارت عشرين بدانق، أو قليلاً؛ لأنه لم يحدث فيها شيء، إنما تغير السعر، فأشبه الحنطة إذا رخصت أو غلت) (٢)

وما سبق بيانه مما جاء في قرة العين: ومنه (ويجب المثل لو كانت مئة بدرهم ثم صارت ألفاً بدرهم أو بالعكس، وكذلك لو كان الريال حين العقد بتسعين ثم صار بمئتين أو بالعكس وهكذا) .

ومع هذا فهو أولاً: فتح لباب الربا على مصراعيه؛ إذ إن كل مراب سواء كان مصرفاً ربوياً، أو شخصاً اعتبارياً أو طبيعياً. سوف يمارس الربا، ويتذرع بأن هذا فارق الأسعار، وحينئذ لا يمكن قفل هذا الباب.

ثانياً: إن فيه غرراً فاحشاً؛ لأنه لا يعلم كم تساوي قيمة السلعة أو السلع التي سيربط بها القرض، أو قيمة المبيع المؤجل، أو الصداق المؤخر. ومن شروط البيع العلم بمقدار الثمن، ومن شروط وجوب المهر المسمى في عقد الزواج العلم بمقدار المهر، ومقدار الثمن والمهر في حالة ربطهما بمستوى الأسعار أمران احتماليان غير معلومي المقدار، فيكون البيع والقرض فاسداً.

وقد بين التطبيق العملي أن التوسع في الربط القياسي على الدخول والأصول النقدية غير مجد، بسبب تعقيداته وتكاليفه الإدارية العالية. (٣)


(١) المغني ٦/٤٣٤
(٢) المغني ٦/٤٣٤
(٣) نحو نظام نقدي عادل، للدكتور محمد عمر شبرا (ص ٥٧)

<<  <  ج: ص:  >  >>