للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما دامت النقود الورقية تأخذ حكم الذهب والفضة، وقد اتفقت على هذا قرارات المجامع الفقهية وهيئة كبار العلماء، وما دامت هي النقد السائد المقبول والمعمول به في جميع دول العالم، فإنه يتخرج على هذا قول علماء المسلمين، ومنهم الأئمة الأربعة بأنه يجب رد مثل الدين الثابت في الذمة عند حلول الأجل، سواء غلت النقود أو رخصت، وسواء كان الدين قرضاً أو ثمن مبيع، أو مهراً مؤخراً.

ولذا فإنه لا يجوز عندي ربط القرض أو أثمان البيوع المؤجلة، أو المهور المؤجلة بمستوى الأسعار؛ لأن الربط بمستوى الأسعار مصادم لأحكام الشريعة الإسلامية، فهو يؤدي إلى أمرين قد نهى الشارع عنهما:

الأول: الربا، فربط القروض، أو ثمن المبيع المؤجل، أو الصداق المؤخر بمستوى الأسعار يعني أن يدفع المقرض للمقترض مثلاً خمسين ألف ريال سعودي، وبعد عام، وقد حل موعد السداد، وقد ارتفعت نسبة التضخم ٥ % فإنه يلزمه دفع الخمسين ألفاً (٥٠٠٠٠) وعليها زيادة ارتفاع الأسعار وقدرها ألفان وخمسمائة ريال (٢٥٠٠) ، وهذا ربا الفضل والنسيئة، وهو باطل لما رواه مسلم وغيره عن عثمان بن عفان رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تبيعوا الدينار بالدينارين ولا الدرهم بالدرهمين)) (١)

وعن أبي سعيد الخدري قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الذهب بالذهب، والفِضة بالفضة، والبُرُّ بالبر والشَّعير بالشعير، والتمر بالتمر، والمِلح بالملح مثلاً بمثل، يداً بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى، الآخذ والمعطي فيه سواء)) (٢)

فالحديثان الشريفان تضمنا النص على المنع من أخذ أكثر أو أقل مما أقرض، أو باع به، والحديث الأول جاء بصيغة النهي، وصيغة النهي الخالية عن القرائن الصارفة عند علماء الأصول يقتضي التحريم والفساد.

وإذا قال قائل: إن الربط فيه تماثل؛ لأن القيمة التي ربط الدين بها عند السداد مماثلة لقيمة الدين عند القرض، أو عند البيع أو عند تقرر المهر، بسبب ربطه بقيمة سلعة أو سلع أو ذهب عرفت قيمته في الحالين، فإنه يجاب على هذا بأنه أولاً متعذر؛ إذ يصعب ضبط المماثلة في حالة الربط؛ لأنها قائمة على التقويم، والتقويم يختلف، ولا بد من وجود الفرق، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ((ولا تشفوا بعضها على بعض)) . والشف أدنى زيادة.


(١) صحيح مسلم بشرح النووي ٤/٩٦
(٢) صحيح مسلم بشرح النووي ٤/٩٦

<<  <  ج: ص:  >  >>