أما بالنسبة لسر المهنة، بالنسبة فيما يتعلق بالموضوع الأول، أنا سمعت الناس في بريطانيا مثلاً يشددون على كتابة الوصفة يجب أن تكون واضحة جلية وبخط جميل، وإلا يسأل الطبيب عنها، بالنسبة لسر المهنة الدكتور أحمد في الواقع تكلم كفقيه وليس كطبيب، فكان عرضه جميلاً شيقاً وافياً، ولكن هناك أريد أن أفرق أيضاً بين أمرين، هناك قاعدة فقهية يمكن تطبيقها على سر المهنة، وهي قاعدة تحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام، ومن أمثلة هذه القاعدة طبياً عندما يقف الطبيب على مريض يحمل مرضاً معدياً، وهو يعمل مثلاً في مطعم، ويعلم أن عمله في هذا المطعم قد يؤثر في سريان هذه العدوى إلى الآخرين أو إلى رواد هذا المطعم مثلاً، ففي هذه الحالة عندنا ضرر خاص وهو إفشاء السر، وضرر عام وهو العديد من الناس الذين يتعاملون مع هذا المطعم، فهنا لا بد أن يتعين الإخبار عنه ومنعه من البقاء في هذا المكان، ومن تطبيقات هذه القاعدة قال الفقهاء: جميع العقوبات الشرعية فإنها تلحق ضرراً بالفرد ولكن من تطبيقات هذه العقوبات حماية المجتمع، حماية الكافة، فإذن يتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام، قد يكون الضرر مساوياً مثلاً في حالة الزوج الذي ذكره الدكتور أحمد، لو كان الزوج يحمل مرضاً معدياً يسري إلى الزوجة مثلاً فهنا الإخبار وعدمه سيان، ولكن إذا تعين أن يكون ذلك أمام القضاء أو بطلب من القضاء فهنا أيضاً يترجح عندي لا تكون للسرية تلك القدسية. وشكراً لكم.
الدكتور علي الجفال:
هذه الملاحظات موجودة في المذكرة بالكامل، معالجة الرجل للمرأة، واستطباب غير المسلم واجب، ولكن هناك ملاحظة، أقول: ما هي العقوبات التي تقع على الطبيب الذي يكشف سر مريضه؟ إن الكلام في هذه القضية متشعب وطويل ومعقد؛ ذلك لأن مسؤولية إفشاء الأسرار عموماً الطبية وغير الطبية مسؤولية أدبية قد تخطاها فقهاء الإسلام إلى غيرها من العقوبات النصية المحددة، والذي حملهم على إقفال الكلام عليها صراحة هو أنها تدخل في دائرة الآداب العامة والأخلاق، فهي بها أشبه وأقرب، ولكنهم لم يقبلوا الإشارة إليها فيما قعدوا من قواعد وفرعوا من فروع، والإشارة في بعض الأحيان تكون أبلغ من العبارة، والحر تكفيه الإشارة، فالباحث في كتب الفقه لا يعدم وجود حكم لها، وقد سماها الإمام الشيخ محمود شلتوت رحمه الله بـ " العقوبات التفويضية "؛ وذلك أن الشريعة الإسلامية قد عنيت أشد العناية بحماية الآداب والأخلاق الكريمة، وأوجبت التعزير على جميع الأعمال الموجهة ضد الأخلاق والآداب العامة، ومنها إفشاء السر المصون والحديث المكتوم، وخصوصاً الصلة بين الطبيب المعالج وبين مرضاه، فلا يجوز للطبيب إفشاؤه ولا إذاعة أي شيء من هذه المعلومات التي يحصل عليها من المريض.
ومن هذا نستطيع أن نخلص ونبدي إلى أن الطبيب الذي يذيع أسرار مرضاه، ولا سيما الأسرار الخاصة بينه وبينهم بحكم مهنته الطبية يعتبر من الذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات ويلحق الضرر بهم وبأسرهم، ويشين سمعتهم، فيجب تعزيره وتأديبه والتنكيل به ومنعه من معاودة هذا الخلق الذميم الممقوت. وشكراً.