للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقبل الانتهاء من هذه التوطئة إلى صميم الموضوع، لا بد من الإشارة إلى أن (التعرف) إلى هذا العلم في بعض معطياته، وسبر أغوار الإنسان في كنه تكوينه، وملاحظة انطواء العالم الأكبر في جرمه الصغير، لهو مما يدخل في تلبية دعوة الله الخالدة إلى التأمل في النفس وإبصار ما استكن فيها من عجيب الخلقة، ويستتبع ذلك الاعتبار والعظة {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} [الذاريات: ٢١] ويتلوه الانتقال من التدبر في الخلق إلى الإيمان بالخالق وازدياد اليقين بقدرته وحكمته واطمئنان القلب إلى وحدانيته في الألوهية والربوبية.

وإذا كان في بعض الدراسات المتصلة بالعلم من حيث هو التفرقة بين النافع وغيره، فإنها لم يقصد بها إلا إطراح فئة من العلوم قامت على الاستخفاف بعقل الإنسان أو تحدي عقدية الفطرة.. أما العلم الذي يصلح أن يكون –فضلاً عن نفعه المادي- مدرجة للنظر في الكون والتفكر في مالك الملك فإنه في دائرة التكليف والطلب.

حفظ النسل من مقاصد الشريعة:

تستمد قضايا الوراثة أهميتها من اتصالها الوثيق بمقصد من مقاصد التشريع، وهو حفظ النسل وصيانة النسب، باعتباره أحد الكليات الخمس التي جاءت الشريعة لصيانتها، وهي: الدين والنفس والعقل والنسل والمال.. ولتوفير ما يناسبها من صون وكلاءة جاءت أنواع شتى من الأحكام الشرعية، بعضها لا مناص من مراعاته، لأنه يمثل (الضروريات) . وبعض آخر يتلوه في سلم الأهمية وهو (الحاجيات) . وإلى جانبهما يقوم خط آخر للدفاع يمثل (الكماليات أو التحسينيات) ، وهذه الأحكام تحيط الكليات الخمس –وإحداها النسل- بسور منيع يتحقق به الإنذار المبكر، ودفع الأذى أو رفعه.

ولا يتسع المقام لأكثر من هذا التنويه الدال على عناية الشريعة بما يصون ذات الإنسان ومقوماته، ويعزز تكريم آدميته، وأنه مفضل على كثير من الخلق تفضيلاً.

والغرض من هذا تأكيد واجب الحفاظ على صحة الأنساب وتمايزها، والتبصر عند الإقدام على أي تصرف من شأنه المساس بهذه القضية الأساسية، وملازمة الطرق الطبيعية المرسومة بالفطرة لابتغاء ما كتب الله للإنسان من نسل صحيح صالح {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آَتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [الأعراف: ١٨٩] .

<<  <  ج: ص:  >  >>