بالرغم من قلة الكتابات في الوراثة، فإن هذا العلم لم يغفله القدامى من الأطباء والفقهاء وغيرهم من العلماء ممن كتب في موضوعات ذات صلة بهذه الحقيقة. ولا سيما بعد أن أشار إليها الحديث الذي رواه البخاري ومسلم وفيه قوله صلى الله عليه وسلم:((لعل ابنك نزعه عرق)) في شأن من استغرب أن يولد له من لم يشبهه تماماً، بل أشبه أحد أجداده. على أن جهودهم اقتصرت على (التعرف) إلى خصائص الوراثة، ولم تبلغ آمالهم إمكانية (التصرف) والتحكم فيها، وهو مجال مضى الطب المعاصر فيه أشواطاً أمكن فيها الانتخاب والاستنجاب، والتعديل والتبديل. بعض ذلك آتى كل ثماره المرجوة، وبعض آخر شارف على تحصيل نتائجه أو اعتبرت في حيز الإمكان، على ما وصف المختصون.
ولا تخفى الحاجة إلى بيان الحكم الشرعي لما وقع من قضايا التحكم في الوراثة أو كاد يقع، بعدما قام الأطباء (أهل الذكر في هذا المجال) بالمهمة الضرورية التي لا بد أن تسبق إصدار الحكم، وهي تقديم التصور والبيانات الكاشفة لحقيقة كل قضية، ليسهل إدراكها وتكييف الإجراءات الواقعة فيها، فضلاً عن الأهداف، والفوائد والمحاذير.
وإذا كان لا بد من تقديم تعريف للوراثة قبل الخوض في التصرفات المتصلة بها والمعالجة أو الإلمام بشرعيتها، فإن الوراثة هي:
(انتقال الصفات من الأصول إلى الفروع، أو من السلف إلى الخلف، وهي تشمل –إلى جانب الخصائص- الأمراض القابلة للتوريث) . (١)
(١) تاريخ الطب، الدكتور شوكت الشطي (ص ١٠٩) طبع جامعة دمشق