مسؤولية الطبيب (الضمان) إن المسؤولية بالنسبة للطبيب وغيره نوعان: تعاقدية، وجنائية.
أ- المسؤولية التعاقدية:
تنطبق على التعامل بين المرضى والأطباء القواعد العامة للإجارة على الأعمال وهي السائدة في كل المهن التي يلتزم فيها صاحب المهنة بأداء منفعة للمتعاقد محدودة بإنجاز معين مع تمكنه من تلقي مهام أخرى.. وقد يكون التعامل على أساس الإجارة الخاصة التي يسمى مقدم المنفعة فيها (الأجير الخاص) ، وذلك حين يرتبط خلال مدة معينة بأن لا يعمل لغير من تعاقد معه.. وهاتان الحالتان لا خصوصية فيهما للطبيب عن غيره. على أن هناك حالتين لا تتصوران إلا في ممارسة الطب: تسمى إحداهما المشارطة على البرء وتسمى الأخرى: اشتراط السلامة، وقد عني بمعالجتهما الفقهاء على النحو التالي:
الحالة الأولى – المشارطة على البرء:
الأصل في تقدير التعامل مع الطبيب أن يكون على مدة معينة، أو يكون على القيام بأعمال معينة، ويستحق الأجر بإنجاز ذلك ولو لم يبرأ. وهذا ما يدعى في الاصطلاح القانوني (بذل العناية) . وفي هذه الحالة احتمالات لها حلولها التي تختلف فيها أنظار الفقهاء، مثل حصول البرء أثناء المدة، أو حصول الوفاء.. أو امتناع المريض من مواصلة العلاج.. على أنه قد يشترط في هذا التعاقد بالإضافة إلى بذل العناية (تحقيق غاية) وهي الشفاء من المرض (البرء) والفقهاء مختلفون في الحكم على هذا التعاقد:
فبعضهم منعه؛ لما فيه من الجهالة، لأن البرء غير معلوم متى يحصل.. حتى لو أحاط الطبيب علماً بأحوال مريضه ومرضه، لتدخل أسباب خارجية. وجمهور الفقهاء على جوازه، والدليل هو ما ورد من أن أبا سعيد الخدري عالج رجلاً وشارطه على البرء، وعلم بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقر تصرفه. ويرى ابن قدامة أن هذه المعاملة ليست من باب الإجارة التي يشترط فيها معلومية محل التعاقد بالمدة أو العمل. وإنما هي من قبيل (الجعالة) ، وهي تجوز على عمل مجهول، كما هو الحال في رد اللقطة، ويكفي للجعالة تحديد مقدار الجعل وبيان الغاية المطلوب تحقيقها بقطع النظر عن مقدار العمل. ومن أحكام هذه المشارطة أنه لو ترك قبل البرء فلا شيء له إلا أن يتمم غيره، فله حساب نسبة من الاتفاق. (١)
وقد تناول الفقهاء هنا مسائل أخرى ثانوية مثل اشتراط الدواء على المريض أو الطبيب، وهي القضايا الملحوظ فيها أثر الأعراف والأوضاع الزمنية، والتي لا يوجد ما يلزم بمتابعتها مع تطور أصول التعامل في هذا المجال.