للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هـ- أن تقضي الضرورة أو الحاجة الإنسان أن يكشف عما يسوءه أو يضره إظهاره، وما كان ليظهره لولا حاجته إلى المعونة، كمن يذهب إلى المفتي ليسأله عن حكم الشرع في أمر قد فعله، فإن لم يشرح الواقعة بالقدر الذي يبين به الحكم فيها لم يتمكن المفتي من إجابته والبيان له، فيكون الحديث الذي وصف به فعله إن كان مما يسوء إظهاره أمانة عند المفتي، فإن كشفه كان خائناً للأمانة، فلو شهد المفتي بعد ذلك أمام القضاء بما سمعه من الإقرار لم تقبل شهادته ولا عبرة بها؛ لأن الخائن للأمانة فاسق غير عادل، وهذا عند المالكية هو المعتمد من قولين لم يرويا عن مالك، وعليه العمل (١) .

ومثل ذلك الطبيب إذا أفضى إليه المريض بسبب مرضه، وقد يكون فعلاً شائناً، أو كشف للطبيب من بدنه ما يحتاج إلي كشفه للعلاج، ويكون فيه تشويه أو مرض منفر.

وربما أفضى إلى الطبيب النفساني بأوضاع خاصة به في حياته السابقة، أو أوضاع أسرته؛ ليتمكن من تشخيص المرض ومعرفة أسبابه وعلاجه، فيكون ذلك كله أمانة لدى الطبيب، ومن الخيانة أن يفشيها.

وكذلك المكلفون بالأبحاث الاجتماعية الذين يطلب منهم التحقق من الأوضاع المعيشية للمتقدمين بطلب المعونات الاجتماعية، أو معونة الزكاة والصدقات، فإن ما يفضي إليهم به من الشؤون الخاصة التي من شأنها أن تكتم هي أمانات لديهم ليس لهم تضييعها ولا بثها إلا بإيصالها لمن شأنه تقرير تلك المعونة.

غير أن هذا لا يمنع استخدام وقائع أو الوقائع الطبية أو نحو ذلك في الأبحاث العلمية، والاستشهاد بها في تأييد النظريات أو تزييفها، غير أنها إن كانت من قبيل الأسرار فلا يذكر أسماء أصحابها، ولا ما يكشف شخصياتهم، بل تستخدم الألفاظ المبهمة.

وسائر أمناء السر والموظفون في الدوائر الحكومية أو الأهلية حملوا الأمانة بحكم وظيفتهم، فعليهم كتمان كل ما يعلمون أن في إظهاره ضرراً حسياً أو معنوياً للجهة التي قلدتهم تلك المهمات، ومن الخيانة أن يكشفوا من ذلك شيئاً.


(١) تبصرة الحكام بهامش فتح العلي المالك، فتاوى الشيخ عليش: ١/ ٢١٧، في باب موانع الشهادة

<<  <  ج: ص:  >  >>