للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثانياً- لأنه قد يكون في إفشاء السر خيانة للأمانة:

وذلك في أحوال:

أ- أن يكون بين المرء وزوجته:

ففي خطبة حجة الوداع أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بالنساء خيراً، وقال: ((إنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله)) .

وروى مسلم وأبو داود عن أبي سعيد الخدري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى المرأة وتفضي إليه ثم ينشر سرها)) ، وفي رواية لمسلم: ((إن من أعظم الأمانة عند الله يوم القيامة ... )) الحديث (١) .

جاء في أخبار بعض أهل الفضل أنه سئل عن حال زوجة له كان قد طلقها فتزوجت بعده، فلما سئل عنها قال: (ما لي ولزوجة غيري؟)

والمراد بما يكتم هنا تفاصيل ما يقع بين الزوجين في خلوتهما.

ب- أن يكون أخوك قد طلب منك كتمان سره قبل أن يفضي إليك به فالتزمت له بذلك، فإن أفشيته كنت قد خنت الأمانة ونقضت العهد (٢) ، فكنت ظلوماً جهولاً شأن المنافقين الذين يظهر نفاقهم ويعلم، بمثل هذا الفعل الذميم.

وقد يستكتم الأخ أخاه سراً في حال دون حال أو وقت دون وقت، فيقبل، فتكون الأمانة بحسب ذلك، كأن يقول: لا تفش عني هذا الخبر إلى ثلاثة أيام، أو: ما دام فلان حياً، أو ما دمت حياً، أو نحو ذلك.

ج- أن يكون أخوك قد فاتحك في أمر خاص مما شأنه أن يكتم عن الناس ولو لم يستكتمك، وخاصة إن كان يستشيرك في أمر مما ينويه أو أمر يعزم عليه، فذلك أمانة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((المستشار مؤتمن)) ويكون كشف خبايا ذلك الحديث خيانة لتلك الأمانة.

وفيما روي من الحكمة أن رجلاً وشى بأديب لدى بعض الخلفاء، فأراد الخليفة الانتقام منه، فقال: اجمع بيني وبين هذا الواشي، فلما جاء قال له:

وأنت امرؤ إما ائتمنتك خالياً

فخنت وإما قلت قولاً بلا علم

فأنت من الأمر الذي كان بيننا

بمنزلة بين الخيانة والإثم

كأن يقول للخليفة: كيف تأخذ في بقول من لا يخرج عن أن يكون خائناً أو كاذباً.

د- أن يكون السر كلاماً صدر في مجلس خاص، يثق الحاضرون فيه بعضهم ببعض، فالحديث الذي قالوه بمقتضى الثقة هو أمانة، ففيما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إذا حدث الرجل بالحديث ثم التفت فهو أمانة)) (٣) قال شارح الإحياء: أي التفت يميناً وشمالاً؛ لأن ذلك يظهر أنه قصد أن لا يطلع على حديثه غير الذي حدثه (٤) .


(١) صحيح مسلم بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي: ك ١٦ – النكاح، ح ١٢٣
(٢) انظر الحليمي: المنهاج في شعب الإيمان ٣/ ٢٨
(٣) قال العراقي: رواه أبو داود في الأدب، والترمذي في البر والصلة من حديث جابر، قال: حسن (شرح الإحياء: ٥/ ٢١٦)
(٤) شرح الإحياء: ٥/ ٢١٦

<<  <  ج: ص:  >  >>