للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا أظن أن هذا يمكن أن يتردد به أحد إلا إذا تجرد اللهم من جميع الخلفيات المسبقة مذهبية أو آراء سابقة له يحرص عليها ويصعب عليه تغييرها أو تبديلها. هذا كله إذا أردنا أن نعالج مشكلات الزكاة ونستفيد منها لعصرنا هذا الذي نصادف فيه ما لم نكن نتوقع فإننا لا نستطيع بهذه التقيدات الحرفية لآراء الفقهاء السابقين رضي الله عنهم أجمعين ونفعنا بهم وشفعهم فينا أن نتقيد لأن هناك مجالا لآراء أخرى والنصوص مزايا الشريعة الكريمة هذه النصوص التي فيها من القابليات ما لا ينتهي. فلذلك أرى أننا يجب أن نتجرد عند معالجة مشكلات الزكاة عن كثير من خلفياتنا لكي نستطيع الاستفادة منها. يعني يحضرني الآن مثال الإمام محمد بن الحسن الشيباني رضي الله تعالى عنه.

فى نفسي أمور أحب أن أبينها فإذا كنتم ترون الكلام طويلا فأنا أقصر ولكن أحب أن أتكلم كما تكلم غيري، على أني خاضع لكل إشارة يراد بها إنهاء الكلام الإمام محمد بن الحسن الشيباني رضي الله تعالى عنه كان في سفر وهذه مروية في سيرته كان في سفر ومعه تلاميذه، بعض منهم فتوفي أحدهم في الطريق فأمر الإمام محمد أن تجمع أمتعته وأشياؤه وإن تباع فجمعها وباعها وحفظ ثمنها له وأخذه معه إلى أهله فقالوا: به بقية تلاميذه كيف بعت أمواله ولم يوكلك ليس هناك منه وكل أجابهم بقوله {وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ} فنحن هذا المبدأ يجب أن نضعه. ماذا هو أصلح للفقراء أن كان تمليكا فرديا وإن كان تمليكا جماعيا، طبيعي هذا لا أقصده به أن يلغى التمليك الفردي أو لا يلغي ولكنه أساس.

لكن هل هذا يمنع من طرق يكون فيها الأمر أنفع للفقراء كفتح مدرسة تعلم أبناءهم الحرف، فتح مستشفى كما ذكر بعض الأساتذة تداوى به أبناؤهم أيضا أو هم أنفسهم، فهل هذه تعتبر منافية للتخصيص تخصيص الزكاة للفقراء. هذا لا أعتقد أنه ممكن أن يقال إذا تجردنا عن تلك الخلفيات التي نحن في حاجة إلى التجرد منها.

وأنا أرى أننا يجب أن نميز بين أمرين: الاستثمار، وأنا أكره التعبير بالتوظيف لأن التوظيف كلمة تحتمل عدة أوجه. الاستثمار الذي هو تنمية المال، الاستثمار لأموال الزكاة وصرف هذه الأموال وثمراتها، فأما الاستثمار فإني أرى أن كل طرق الاستثمار بمعنى أن يوضع في طريق ينمو به مال الزكاة فيصبح الواحد اثنين والاثنين ثلاثة مثلا هذا كل الطرق التي تؤدي إليه على شرط أن تكون تمارسها أيد أمينة وأساليب وتحفظات مأمونة. كل هذا جائز سواء أكان عن طريق تجارة أو عن طريق صناعة أو عن طريق أي شيء يمكن أن يستثمر وليس مال الزكاة بأشد حرمة من مال القاصر اليتيم ولا سيما اليتيم الفقير فإن الفقهاء متفقون على أن لوصي اليتيم أن يتاجر بأمواله ويستثمرها لتنميتها كي لا تأكلها النفقة ولا يبقى له فيها شيء.

<<  <  ج: ص:  >  >>