الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله الكريم وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فإني أشكر فضيلة الشيخ عبد القادر العماري حفظه الله تعالى على بحثه القيم والذي أعترف أنه أكثر البحوث المقدمة في هذا الموضوع استيعابا للجوانب المهمة المتعلقة بالموضوع، وكذلك أشكره على عرضه الطيب والقيم الذي حرر لنا موضوع البحث في هذا اللقاء.
أما أنا فقد ركزت بحثي لأسباب ذكرتها على نقطة واحدة فقط، وهو موضوع الحالات التي يحمل فيها السائق ما حدث من ضرر بقيادة سيارته، والذي استمع إليه جميع أصحاب البحوث في الموضوع: هو أن سائق السيارة لا يضمن إلا إذا كان مخطئا متعديا في قيادة سيارته، مثلا يخالف نظام المرور أو القواعد المتبعة في القيادة، ولكن هناك نقطة ذكرها الشيخ عبد القادر العماري: أن كثيرا من القضاة وكثيرا من الفقهاء والمفتين ربما لا يقبلون هذا الحكم ويقولون: إن الفقهاء رحمهم الله قد ذكروا بأن المباشر ضامن وإن لم يكن متعديا، وإنما يشترط التعدي للمتسبب وليس للمباشر، وكذلك يقولون: إذا اجتمع المباشر والمسبب فالحكم للمباشر والضمان على المباشر، فلم أر في البحوث الموجودة بين أيدينا ما يشرح هذه القاعدة ويطبق ما اقترحه أصحاب البحوث على هذه القاعدة التي ذكرها الفقهاء، وقد حاولت في ذلك محاولة أريد أن أعرضها على أصحاب الفضيلة هنا ليقرروها أو لينقدوها، وهي: أن ما ذكره الفقهاء – رحمهم الله – من المباشر والمسبب حينما يجتمعان فإن الحكم للمباشر، إنما يختص ذلك إذا كان المباشر السبب الوحيد للإتلاف، أما إذا كان المسبب هو المتعدي أو كان تأثير المسبب أقوى من تأثير المباشر فحينئذ لا تتأتى هذه القاعدة في نظري، وهذا مما يتضح بكثير من الجزئيات التي ذكرها الفقهاء، ربما أنني لم أطلع على هذه القاعدة بهذا اللفظ، ولكن الذي اتضح بعد دراسة جزئيات عدة هو أن المباشر إنما يكون ضامنا عند عدم التعدي إذا كان هو السبب الوحيد، أما إذا كان هناك مسبب ومباشر، وتأثير المسبب أقوى من تأثير المباشر والمسبب متعد والمباشر غير متعد، فهذه القاعدة لا تجري في مثل هذه المسائل، فالذي أرى أنه إذا كان السائق ملتزما بأحكام المرور ولم يصدر منه أي تقصير فحينئذ لا ينبغي أن يحمل الضمان ولا الدية ولا شيء ولا الكفارة.