لا نجد نصا فقهيا واضحا في هذا الموضوع، وفقهاؤنا في ذلك معذورون، لعدم وجود السيارات في عصرهم، وقد اقتصر بحثهم على ما تحدثه البهائم مستندين إلى حديث البراء بن عازب:((قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن حفظ الحوائط بالنهار على أهلها وأن حفظ الماشية على أهل الماشية)) ، وحديث:((العجماء جبار)) وعلى ضوء ذلك نتساءل: هل بإمكاننا أن نجعل إهمال صاحب الناقة مثلا لناقته بتركها تذهب إلى طريق السيارات سببا لأن يتحمل مسؤولية ما يترتب على اعتراضها للسيارات وما تسببه من حوادث؟
نجد هنا قرارا لهيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية يقول:"عدم ضمان البهائم التي تعترض الطرق العامة المعبدة بالأسفلت إذا تلفت نتيجة اعتراضها الطريق المذكورة، فصدمت فهي هدر، وصاحبها آثم بتركها وإهمالها، لما يترتب على ذلك من أخطاء جسيمة تتمثل في إتلاف الأنفس والأموال، وتكرار الحوادث، ولما يترتب على حفظها وإبعادها عن الطرق العامة من أسباب السلامة وأمن الطرق والأخذ بالحيطة، وحفظ الأموال والأنفس تحقيقا للمقتضى الشرعي وتحريا للمصالح العامة، وامتثالا لأوامر ولي الأمر".
هذا القرار حل جزءا من المشكلة، وهو إهدار البهيمة على صاحبها، وعدم استحقاقه لشيء مقابل تلفها، وهذا يعني أن هيئة كبار العلماء ضمنت مالك البهيمة قيمة بهيمته عندما قررت أنها هدر، ألا يمكن أن نقول: إنه أيضا يضمن ما سببته بهيمته بسبب إهماله لها من أضرار أخرى ترتبت على الحادث، فيما لو أدى الحادث إلى موت سائق السيارة فيضمن الدية، ويضمن التلف الذي حصل بالسيارة؟ وما الذي يمنع من ذلك خاصة إذا أمر ولي الأمر أصحاب المواشي أن يحفظوا مواشيهم ولا يهملوها، وأنذرهم بأنهم يتحملون المسؤولية في حالة دخول أي بهيمة إلى الطريق العام الذي تسير فيه السيارات؟ وإذا كانت هيئة كبار العلماء قد صرحت بأن مالك البهيمة يأثم في هذه الحالة، ألا يمكن أن يترتب على هذا الإثم مسؤولية حقوقية نحو الآخرين الذين تضرروا بسبب هذا الحادث؟ !