للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والضرر وما يترتب عليه من تعويضات قد لا يكون بهذا العموم في الفقه الإسلامي، إلا أنه بما لا شك فيه أن الضرر الذي يلحق الإنسان في بدنه أو في ماله، أفرد الفقهاء لكل نوع من هذين النوعين أبوابا خاصة في كتب الفقه، وإن كانت أسباب الوجوب واحدة هي التعدي والتقصير كما بينا فيما تقدم. ويعرف بعض الفقهاء الضرر بأنه إلحاق مفسدة بالغير مطلقا (١) . وقد وردت عدة قواعد تعالج مشكلة الضرر.

القاعدة الأولى: " لا ضرر ولا ضرار " وهذا نص الحديث، قال عنه الهيثمي: "رجاله ثقات"، وقال النووي في الأذكار: "هو حسن".

قال المحاسني في شرحه لهذه المادة: ومعناه نفي وقوع الضرر ونفي المقابلة بالضرر فلا يحق لمن تلف ماله أن يتلف مال من أتلف ماله؛ لأن الإتلاف لا يجبر ما أتلف أولًا، ولا يعوض عنه شيئا، وإنما الجابر هو التعويض على من أتلف ماله بالمثل أو بالقيمة. قال: ولقد أسس هذا الحديث قاعدتين عظيمتين عليهما مدار استخراج أكثر الأحكام، كالغصب والإتلاف والحيطان والجيران وأحكام الطرق والمسيل والمرور. وهو من جوامع الكلم.

ويقول علي حيدر: وتشتمل هذه القاعدة على حكمين:

الأول: أنه لا يجوز الإضرار ابتداء، أي لا يجوز للإنسان أن يضر شخصا آخر في نفسه وماله؛ لأن الضرر هو ظلم والظلم ممنوع في كل دين، وجميع الكتب السماوية قد منعت الظلم...

والثاني: وهو أنه لا يجوز مقابلة الضرر بمثله وهو الضرار.

والقاعدة الثانية: " الضرر يزال ". والقاعدة الثالثة: "الضرر لا يزال بمثله". ومعنى القاعدتين أنه لو وقع فعل من أحد على غيره سواء كان غير مشروع أصلا، أو كان مشروعا لكنه أضر بالغير، يزال، لكن لا يزال بالطريق الذي حصل به ذلك الضرر.

وقد يستعمل الفقهاء تعبيرات أخرى مرادفة للضرر كالإتلاف والإفساد.

الركن الثالث – العلاقة السببية أو الرابطة السببية:

يقول الأستاذ السنهوري: إن علاقة السببية ما بين الخطأ والضرر معناها أن توجد علاقة مباشرة ما بين الخطأ الذي ارتكبه المسؤول، والضرر الذي أصاب المضرور، والسببية هي ركن مستقل عن ركن الخطأ، وآية ذلك أنها قد توجد ولا يوجد الخطأ، ويسوق لذلك أمثلة نقتصر على مثال واحد منها: شخص يقود سيارة دون رخصة ثم يصيب أحد المارة وتكون الإصابة بخطأ يقع من هذا المصاب؛ فهنا خطأ وهو قيادة السيارة دون رخصة، وضرر وهو إصابة أحد المارة، ولكن الخطأ ليس هو السبب في الضرر بل هناك سبب أجنبي هو خطأ المصاب فوجد الخطأ دون أن توجد السببية (٢) ... إلى أن يقول: فحيث تنعدم السببية ينعدم في الوقت ذاته الضرر، ومن هذا الوجه يكون الضرر والسببية متلازمين (٣) .


(١) فيض القدير: ٦ / ٤٣١
(٢) الوسيط: ١ / ٨٧٢، ٨٧٣
(٣) ذات المصدر ص ٨٨٤

<<  <  ج: ص:  >  >>