لا شك أن الحركة الاقتصادية في العالم قد تطورت أحوالها وظروفها ومقومات نشاطها وأسباب تعدد طرقها، وقد اتسمت بالجدية في الأداء، والدقة في احتساب الزمن واعتبار الكلمة في الإلزام والالتزام؛ وهذا يعني إيجاد ضوابط للجدية في التعامل إيجابًا وقبولاً. ولا شك أن الأخذ بمبدأ العربون من أهم ضوابط الجدية في الحركات الاقتصادية بيعًا وشراء وإجارة. وهذا يعني أن الناس في حاجة إلى الأخذ ببيوع العربون في معاملاتهم، لا سيما وفي الأخذ به من الفوائد والاطمئنان إلى سلامة التحرك التجاري ما لا يخفى، وقد اتضح من المناقشة السابقة ما يجعل العربون أمرًا مشروعًا في دلالته ومعناه. والعلم عند الله تعالى.
وقد رغبت الأمانة العامة لمجمع الفقه الإسلامي التعرض في البحث إلى أحكام المسائل الآتية:
١- هل يجوز العربون في بيع النقد بجنسه وفي الصرف؟
٢- هل يجوز أن يكون العربون في الخدمات كما في السلع؟
٣- هل يجوز اعتبار العربون مبلغًا مستقلاً عن ثمن السلعة؟
٤- هل يجوز العربون عند شراء الأوراق المالية كالأسهم؟
٥- هل يجوز العربون في بيع المرابحة؟
٦- هل يلزم في بيع العربون أن تكون السلعة حاضرة للمعاينة، أم يجوز عند المواعدة بالشراء؟
حكم بيع العربون في بيوع الصرف:
لا يخفى أن بيوع المصارفة لها حالان: الحال الأول أن تكون المصارفة في جنس واحد كبيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة، فهذه الحال يشترط لصحة المصارفة فيها شرطان أحدهما المماثلة والثاني التقابض في مجلس العقد. الحال الثانية أن تكون المصارفة بين جنسين مختلفين كالذهب بالفضة أو العملات الورقية بهما، أو بعضها ببعض، كالدولار الأمريكي بالريال السعودي، أو الجنيه المصري بالجنيه الاسترليني، فهذه الحال يشترط لها شرط واحد هو التقابض عند المصارفة في مجلس العقد، ودليل ذلك كله قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال:((الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلاً بمثل سواء بسواء يدًا بيد فإذا اختلف الأجناس فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدًا بيد)) . رواه الإمام أحمد ومسلم.
وأخذًا بهذه الأحكام في المصارفة، ومن هذه الأحكام التقابض في مجلس العقد، وحيث إن بيع العربون يقتضي تأخير الثمن حتى اختيار المشتري ما يراه من إمضاء البيع أو رده، وعليه فلا يجوز بيع العربون في بيوع الصرف في كلا الحالين. والعلم عند الله تعالى.