الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا ونبينا محمد الأمين المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه والتابعين إلى يوم الدين. وبعد.
فقد اتجه جمهور العلماء ومحققوهم إلى أن الأصل في العبادات الحظر حتى يرد الشرع بالتشريع أمرًا أو نهيًا أو كراهة أو ندبًا. وأن الأصل في المعاملات الإباحة حتى يرد الشرع بالتشريع أمرًا أو نهيًا أو كراهة أو ندبًا أو تقييدًا أو تخصيصًا، وتقدير هذه القاعدة إحدى قواعد الإمام أحمد بن حنبل وأصلاً من أصول مذهبه.
ومن منطلق هذه القاعدة كان القول بإباحة بيوع العربان مذهبّه ومذهب أصحابه من عبده، والقول بذلك من مفردات هذا المذهب، وقبل الدخول في ذكر أقوال أهل العلم في هذه المسألة يحسن التمهيد لذلك بما يعطي التصور الشامل لها من حيث التعريف والتصوير وتحرير محل الاختلاف فيها، إذ الحكم على الشيء فرع من تصوره.
تعريف العربون لغة:
العربون قيل: إنه من الإعراب وهو إعطاء العربون، قال في القاموس عن الفرَّاء: أعربت إعرابًا وعرَّبت تعريبًا إذا أعطيت العربان. وقال شمر: الإعراب في البيع أن يقول الرجل للرجل: إن لم آخذ هذا البيع بكذا فلك كذا وكذا من مال.
وذكر الزبيدي في تاج العروس أن للعربون ثماني لغات هي: الإعراب، العُربان كعثمان، العربون بضمهما، العربون محركة العين، الإربون بإبدال العين همزة، الربون بحذف العين من رَبَن، العربون بفتح فسكون فضم. وذكر لغة تاسعة حكاها ابن عديس قال: نقلت من خط ابن السيد قال: أهل الحجاز يقولون: أخذ مني عُرُبَّان بضمتين وتشديد الباء.
وقيل: بأن العربون مشتق من التعريف وهو البيان لأنه بيان للبيع، فيقال: أعرب في كذا وعرَّبَ وعَرْبَن وهو عربان وعربون، قال في المصباح: هو القليل من الثمن أو الأجرة يقدمه الرجل إلى الصانع أو التاجر ليرتبط العقد بينهما حتى يتوافيا بعد ذلك إعرابًا لعقد البيع، أي إصلاحًا وإزالة فساد لئلا يملكه غيره باشترائه. وقيل بأن الأربون مشتق من الإربة وهي العقدة لأن به انعقاد البيع (١) .