كما ذكر الإخوان نشكر الدولة المضيفة على ما قابلتنا به، فجزاهم الله أحسن الجزاء، لقد تكلمت في بحثي عن النقاط التي وردت في السؤال، وهي الرخصة وأنواعها وضوابط الأخذ بها وتتبع الرخص وحكم التلفيق، والذي أتكلم عنه في هذ الدقائق المعدودة هو الحكم في تتبع الرخص والحكم في التلفيق، لأنه هو لب المسألة، وأقول: إن الرخص على نوعين: نوع ورد في النص ورغب الشارع في اتباعه؛ هذا لا حرج من اتباعه، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:((عليكم برخصة الله التي رخص لكم)) أخرجه مسلم، وقد بينا هذا القسم وأقوال العلماء فيه، ثانيًا: النوع الآخر هو النوع الاجتهادي الذي اجتهد به أحد الأئمة، هذا النوع أكثر العلماء على منعه من غير ضرورة ملحة، حتى حكى بعضهم الإجماع على منعه، فقد نقل ابن عبد البر في كتابة بيان العلم وفضله عن سليمان التميمي أنه قال لخالد بن الحارث: إن أخذت برخصة كل عالم اجتمع فيك الشر كله، قال أبو عمر بن عبد البر: هذا إجماع لا أعلم فيه خلافًا، ونقل ابن حزم الإجماع أيضا على أن تتبع الرخص في المذاهب من غير استناد إلى دليل فسق، وقال ابن القيم في إعلام الموقعين: لا يجوز للمفتي تتبع الرخص لمن أراد نفعه، فإن تتبع ذلك فسق وحرام، ويحرم استفتاء من فعل ذلك فإن حسن قصده في حيلة جائزة لا شبهة فيها ولا مفسدة لتخليص المستفتي من حرج جاز، بل استحب.
ثم قال: وأحسن المخارج ما خلص من المآثم، وأقبح الحيل ما أوقع في المحارم أو أسقط ما أوجب الله ورسوله من الحق اللازم انتهى.
هذا كله مشار إليه ومشار إلى المراجع.
وقال المحلي في شرحه جمع الجوامع:(والأصح أنه يمنع تتبع الرخص في المذاهب بأن يأخذ من كل منها ما هو الأهون فيما يقع من المسائل، وخالف أبو إسحاق المروزي فجوز ذلك) .
كما أن ابن عبد السلام – بعد أن ذكر حكاية ابن حزم الإجماع على منع تتبع الرخص من المذاهب – قال: لعله محمول على من يتبعها من غير تقليد لمن قال بها أو على الرخص المركبة في الفعل الواحد.
وذكر القرافي أيضا مثل ذلك، فقال: إن الممنوع من تتبع الرخص هو ما كان فيه تلفيق بين مذهبين فأكثر في مسألة واحدة. هذه كلمة قصيرة عن الرخص.
وأما التلفيق فأكثر العلماء على منعه لغير ضرورة حتى حكى بعضهم الإجماع على منعه، قال صاحب الدر المختار: إن الحكم بالقول المرجوح جهل وخرق للإجماع وأما الحكم الملفق باطل بالإجماع، حاشية ابن عابدين. وقال ابن عابدين في حاشيته: مثال ذلك متوضئ سال من بدنه دم ولمس امرأة وصلى، فإن هذه الصلاة ملفقة من مذهب الشافعي والحنفي، والتلفيق باطل وصحته منتفية.