وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا.
أشكر كل من تعرض إلى موضوع الرخصة والتدخلات التي وقعت، وبنظرتي أمس إلى كل المواضيع لم أجد في الواقع قضية اعتبار الرخص العامة في الشريعة الإسلامية، وهو ما تعرض إليه الأستاذ قادي، وقد تعرضت إليه بالاعتماد في بحثي المقدم إليكم، ولا فائدة من أن أرجع إلى كله، ولكن أردت أن أقدم له بمقدمة، وهي الرخص العامة المؤقتة لأنها هي الرخص التي وقعت عليها دائمًا، واعتمدت أيضا على كتاب الشيخ ابن عاشور في "مقاصد الشريعة الإسلامية" ولكن أردت أن أبين أنني استطعت أن أستعرض مسائل تسع وقع فيها التعرض إلى المصالح العامة وهي: الكراء المؤبد، وقد اعتمدت فيها فتوى ابن سراج وابن منظور، وبينت أيضا الترخيص في تغيير الحبس الذي يتعطل منفعته تحصيلات للمنفعة بوجه آخر، وقد ذكر الونشريسي في المعيار أشياء كثيرة وفتاوى متعددة في هذا الموضوع، وكذلك أجازوا أن يستغل ناظر الوقف غلات الحبس التي يتعطل عمله فيتحقق بها مصلحة مشابهة، وكذلك أجازوا للناظر أن يصرف من أموال الأحباس لمساجد إذا كانت زائدة على الحاجة في بعض وجوه البر كالتدريس وإعانة طلبة العلم وتحفيظ القرآن العظيم، وأجازوا أيضا بيع عقار الحبس وتعويضه بآخر، وجاء في المعيار للونشريسي وفي نوازل سحنون: لم يجز أصحابنا بيع الحبس إلا دارًا جوار مسجد ليوسع بها ويشترى بثمنها دارًا مثلها تكون حبسًا، وذكرت عدة أنقال عن ابن القاسم وابن رشد وكذلك عن مالك، ورخصوا في معاوضة الحبس للضرورة أيضا والترخيص في بيع الخلو كما تقدم لنا منذ سنتين في مجمع الفقه الإسلامي هنا، وبينت أيضا فتاوى متعددة، وكذلك أيضا الترخيص في بيع الوفاء وقد ذكرنا هذا في السنة الماضية، وإباحة رمي الأسرى المسلمين الذين تترس بهم العدو متى علمنا أن الكف عنهم نتيجته انهزام المسلمين وإيقاف المد الإسلامي، وهذا يعتبره الغزالي من باب الإقدام على الفعل الممنوع ضرورة لتحقيق مقصد شرعي فيه سلامة الأمة، وهو مدعو إليه من أجل المحافظة على الإسلام وعموم المسلمين.
وقال الغزالي: وليس في معناها جماعة في سفينة لو طرحوا واحدًا منهم لنجوا، وإلا غرقوا بجملتهم لأنها ليست كلية، إذ يحصل بها هلاك عدد محصور، وليس ذلك كاستئصال كافة المسلمين، وهو المقصود بإباحة رمي أسرى المسلمين. هذه مسائل متعددة ذكرها الشيخ ابن عاشور في مقاصد الشريعة الإسلامية.