وإذا رأى البعض أنه يستطيع أن يحقق المصالح باجتهاداته الخاصة وبنظراته الخاصة وبتقديراته لظروف معينة وباتباعه لحكم الغلبة لمذاهب الآخرين وأسلمتها وموافقتها وتخريجها على أي وجه فتأكدوا أن هذا هو التأثير وهو الفساد وهو عدم مراعاة المصلحة للمسلمين ولغيرهم. نحن أمة دعوة ولعل هذا التذكير أردت أن أضعه أمام إخواني وشكرًا. وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه.
الشيخ محيي الدين قادي:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
في هذا الموضوع عدة ملاحظات واستيضاحات:
الإيضاح الأول: أن الرخصة شيء، وأن التيسير هو أصل الرخصة ودليله، قد وقع فيما قرأت من بعض البحوث عن عدم وضوح التفريق بين الدليل والمستدل عليه، فالشريعة مبنية على رفع الحرج والشريعة مبنية على التيسير، هذا أصل من أصول الشريعة، والرخصة: هي الانتقال من صعوبة إلى سهولة لمانع شرعي حدد بالمشقة ومظنة المشقة، وهنا تتفرع المشقة ومظنة المشقة إلى الضرورة والحاجة والإكراه والجهل في بعض المسائل، هذا هو المعروف في تحديد الرخصة.
النقطة الثانية: ربما هي التي أثارت تدخلي وهي قضية الرخص في العقيدة. قضية أن اليسر من عند الله عز وجل في عقيدتنا، هذا صحيح، أم الرخص في العقيدة وهي الانتقال من شيء إلى شيء، فهذا ما لم يمكن أن يعتقده شخص، العقيدة محلها القلب لعل ذلك يرجع إلى ما جاء في قوله تعالى:{إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ}[النحل: ١٠٦] وقد نزلت في سيدنا عمار بن ياسر بعد أن أكرهه أبو جهل على ما أكره عليه بقية الأسرة، لكن الواقع العقيدة موجودة والشكل فقط هو الذي تغير عند النطق بالسب، ولهذا نجد كثيرا من الفقهاء شددوا على قضية الممارسة للعمل ويقولون: الممارسة للعمل الذي يوجب الكفر، وإن مارسه فهو أيضا شكلي، أما العقيدة فلا يمكن الترخيص فيها لأن محلها القلب، فربما يكون الترخيص في العقيدة أيضا يسر كما قلت، هذا من حديث البخاري رضي الله عنه، حديث الأمة السوداء التي أقسم مالكها أن يعتق رقبة مؤمنة، وحار هل هي مؤمنة أم ليست بمؤمنة ((وسأل الرسول صلى الله عليه وسلم فقال لها: أين الله؟ فأشارت إلى السماء، فقال: من أنا؟ فقالت: رسول الله، فقال: أعتقها إنها مؤمنة. هذا يسر.))
قضية الانتقال بالرخصة، على كل لا يوجد أحد من الأئمة لا يقول بالترخيص، وإنما هم يختلفون في الفروع، هل هذه رخصة أو ليست رخصة؟ هي رخصة عند إمام وليست رخصة عند إمام آخر، كشرب الخمر للعطش أجازه البعض ومنعه آخر، فالمانع يرى أنها لا تروي، والمجيز يرى أنها تروي من العطش، فالاختلاف فيه هو تحقيق الهدف، أما النتيجة على تحديد الهدف فهذا جائز، الشيء الذي أريد أن أضيفه هو قضية أن ما تعرضنا إليه من الرخص كان بالنسبة إلى الرخص الفردية، الرخصة التي ينتقل فيها الفرد من صعوبة إلى سهولة.