للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم أوضحت أن للتلفيق حكمًا في كل التكاليف الشرعية وأوضحت أن للتكاليف الشرعية أقسامًا ثلاثة، منها ما بني في الشريعة على اليسر والسماحة كالعبادات المحضة وهذه يجوز فيها التلفيق للضرورة أو لحاجة؛ ومنها قسم يقوم على الورع والاحتياط، وهو المحظورات، فهذه لا يجوز التلفيق فيها إلا عند الضرورات الشرعية لأن الضرورات تبيح المحظورات؛ وأما النوع الذي مناطه في هذه الشريعة على مبدأ رعاية المصالح ودرء المضار والمفاسد فهو قضايا المعاملات والحدود وأداء الأموال، فهذه بينت وجود التلفيق فيها، لكن المبدأ وإطار عام هذا المبدأ وهو أن كل ما أفضى إلى تقويض دعائم الشريعة والقضاء على سياستها وحكمتها فهو محظور، وخصوصًا الحيل الشرعية، وأما ما يؤدى إلى تحقيق مقاصد الشريعة ورعاية حكمها وسياستها وإسعاد الناس في الدارين لتيسير العبادات عليهم وصون مصالحهم فهو جائز ولا مانع من ذلك. فإذن التلفيق الجائز عند الحاجة أو الضرورة وليس من أجل العبث أو تتبع الأيسر والأسهل.

ثم أوضحت ما ينبغى ترجيحه في عصرنا الحاضر في قضايا المذاهب، وبينت المبدأ أن الحق لا يتعدد وأنه لا بد أن يكون من خلال هذه الآراء التي قررتها المذاهب أن يكون الرأي الحق واحدًا منها بعينه ولكننا لا نعرفه وحينما لا نعرف سبب القطاع الوحيد فحينئذ يجوز أن يقلد الناس هذه الآراء من دون حرج، لكن إذا وصل العالم إلى مرتبة يتمكن فيها من الترجيح بين آراء المجتهدين فحينئذ لا يجوز له أن يعمل بالقول الضعيف ويترك الرأي الذي شهد له الكتاب والسنة الصحيحة بضرورة العمل به.

لذلك الترجيح بين المذاهب ينبغي أن يكون على وفق ما يأتي وهو العمل بالنصوص القطعية أو الأحكام المعلومة من الدين بالضرورة، أما ما يتعلق بالأمور الاجتهادية وهي التي وردت فيها أحكام ونصوص ظنية الثبوت والدلالة، أو ظنية الدلالة وحدها، فهذه الأحكام التي لم يرد فيه نص ولا إجماع كالأحكام القياسية والمصلحية والعرفية، فهذه هي مجال الترجيح بين العلماء، وخصوصًا في عصرنا الحاضر حيث اتجه العلماء إلى وضع التقنيات المستمدة من الشريعة الإسلامية إلى هذا الاتجاه وأخذوا بالمذاهب المختلفة واستفادوا من جملة المذاهب ولم يتقيدوا بالمذاهب الأربعة في بعض القوانين السائدة والمعمول بها في مصر وسوريا وغيرها من البلاد الإسلامية؛ أخذوا بقوانين الأحكام فيها ليست من المذاهب الأربعة، مما يدل على أنهم ارتأوا الاتجاه نحو العمل بما يحقق مصالح الناس والامتناع عن كل ما يلحق بهم الضرر أو يوقعهم في الحظر.

<<  <  ج: ص:  >  >>