أما المشقة المرادة بهذه التسمية لدى العلماء فهي – كما قلنا – على ثلاث مراتب:
المرتبة الأولى: المشقة البينة الواضحة لأنها عظيمة فادحة، مثالها: مشقة الخوف على النفس، أو على البدن ومنافع الأعضاء فهذه وما شابهها من كل مشقة تنال من سلامة الكليات الخمس (في الجملة) توجب التخفيف على وجه من الوجوه.
المرتبة الثانية: المشقة الخفيفة كوجع في إصبع أو صداع خفيف، وسوء مزاج، فهذه لا يعتد بها، لأن تحصيل المصالح التي أناطها الشارع بالمأمورات أولى من دفع هذه المفسدة البسيطة المتمثلة في المشقة الخفيفة.
المرتبة الثالثة: المشقة المترددة بين الشديدة والخفيفة: مثالها: المريض في رمضان يكون الترخيص والإفطار بحسب ما غلب على ظنه، فإن خاف زيادة المرض أو تأخير البرء أفطر وإلا فلا.
وكذا المتيمم من أجل المرض بنفس التفصيل ويعتبر في كل إنسان ما يعرفه من أحوال بدونه وما يشير به الأطباء الثقات.
فائدة:
المشقة التي لا يعتد بها، ولا يجري عليها حكم القاعدة الكلية المتقدمة وهي: " المشقة تجلب التيسير ".
١- المشقة الملازمة وهي المقصودة في ضمن العمل المكلف به.
٢- المشقة الخفيفة التي لا يقام لها وزن لدى العقلاء عادة.
٣- المشقة التي يعارضها نص لا يكون بها تخفيف لأن المصلحة الحقيقية في إعمال النص، كالنهي عن قطع شجر الحرم المكي وعن رعي حشيشه إلا الإذخر (استثني لحاجة التطيب به) .
ومن ذلك الحكم بتغليظ نجاسة الأرواث للنص الوارد، الذي يرويه البخاري وغيره، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: ((إنها ركس)) " أي نجس " وكذلك التنصيص على نجاسة بول الإنسان.
فهذه المسائل وأمثالها، وإن كانت فيها مشقة وعمت بها البلوى، لا يعفى عنها لمعارضة النص، وتكون مستثناة من عموم القاعدة الكلية التي هي: " المشقة تجلب التيسير ".
وأما عموم البلوى فيكون في أمور العبادة، كما يكون في قضايا التعامل بين الناس، بحيث لو أخذ بأصل الحكم فيها لأدى إلى المشقة والعسر، أو إلى تعطيل المصالح وهو نوع من المشقة أيضا.
وليس كل ما عمت به البلوى يجلب التيسير والتخفيف، فشرب الخمر المعدود من أكبر البلايا على النطاق العالمي قديمًا وحديثًا، ولا مشقة في حرمته وتركه لوضوح المفسدة فيه، والتعامل بالربا هو أيضا قد عمت به البلوى عالميا، ولكنها بلوى لا ينظر إليها، ولا تجلب الترخيص لمعارضة النص، وتحقق المفسدة.