للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورابعة القواعد الفرعية، هي: " الميسور لا يسقط بالمعسور ". وتعني هذه القاعدة أن المطلوب من المكلف قد يكون على مراتب من حيث قد يشق بعضها ولا يشق البعض الآخر، ومثال ذلك: ما فرضه الله على المسلمين من التآمر بالمعروف والتناهي عن المنكر بمراتبه الثلاث: التغيير باليد، والتغيير باللسان، والتغيير بالقلب. فمن شقت عليه المرتبة الأولى وهي التغيير باليد قد لا تشق عليه المرتبة الثانية وهي التغيير باللسان، فيفعلها ولا تسقط في حقه لأن الميسور لا يسقط بالمعسور، ومن شقت عليه المرتبة الثانية من هذا الواجب لا تشق عليه المرتبة الأخيرة وهي: تغيير المنكر بالقلب، لأنها لا تشق على أحد، ولا يتطلب القيام بها أكثر من عمل داخلي في نفس المؤمن هو الإنكار والاشمئزاز وذلك أضعف الإيمان كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من رأي منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع، فبلسانه، فإن لم يستطع، فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)) (١) .

وقد استندوا في استنباط هذه القاعدة إلى قول الحق سبحانه وتعالى:

{رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} [البقرة: ٢٨٦] .

{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آَتَاهَا} [الطلاق: ٧] .

{وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} [الأعراف: ١٥٧] .

{لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ} [النور: ٦١] .

هذه جملة من الآيات الكريمة، أقرت قاعدة التيسير في الشرع الإسلامي وأصلتها، وأشارت إلى ما أخذ منها من قواعد فرعية مندرجة، لها عظيم الأثر في توجيه الاستنباط وتأصيل الأحكام.

وجاءت السنة الشريفة تواكب آي الكتاب الحكيم وتزيد القضية إيضاحًا وتركيزًا. فكان أن تناولت الأحاديث في ذلك ثلاثة جوانب تصب كلها في مصب واحد هو يسر الدين وسماحته، والنهي عن التشدد والتعمق والتنطع، حتى عمد صلى الله عليه وسلم إلى العدول عن بعض القرب خشية أن يلتزمها فتشق عليهم، أي على المؤمنين.


(١) أخرجه مسلم في الإيمان، وأبو داود في الصلاة، والترمذي في الفتن، والنسائي في الإيمان، وابن ماجه في الصلاة وفي الفتن

<<  <  ج: ص:  >  >>