للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهو من حيث انعدام السبب الموجب للحكم الأصلي يشبه النوع الثالث، فكان مجازًا، لأن العزيمة لم تكن في مقابلتها، ومن حيث إنه بقي مشروعًا علينا في الجملة يشبه النوع الثاني، فكان معنى الرخصة فيه حقيقة من وجه دون وجه (١) بخلاف النوع الثالث لأن الحكم سقط فيه ولم يبق مشروعًا في حقنا بوجه من الوجوه، فكان في غاية البعد عن حقيقة الرخصة (٢) فكان أتم في كونه مجازًا من النوع الرابع.

ومثلوا لهذا النوع من الرخصة بأكل الميتة وشرب الخمر إذا خاف الهلاك على نفسه من الجوع أو العطش، أو أكره على ذلك، فإنه يجب عليه التناول ولا يسعه الامتناع في ذلك، حتى لو صبر حتى مات، أو قتل أثم، لأن السبب غير موجب للحكم عند الضرورة للاستثناء المذكور في قوله تعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: ١١٩] ، فالمستثنى، لا يتناوله الكلام موجبًا لحكمه، ولكن السبب بهذا الاستثناء لم ينعدم أصلاً، فكانت الرخصة ثابتة باعتبار عذر العبد خرج به السبب من أن يكون موجبًا للحكم في حقه ويلتحق الحرام في هذه الحالة في حقه بالحلال، لما انعدم سبب الحرمة في حقه، فكأنه قال إنها محرمة في حالة الاختيار، مباحة في حالة الاضطرار، ومن امتنع من تناول الحلال حتى يتلف نفسه يكون آثمًا.

يوضحه: أن سبب الحرمة وجوب صيانة عقله عن الاختلاط أو الفساد بشرب الخمر، وصيانة بدنه عن ضرر تناول الميتة، وصيانة البعض لا يتحقق في إتلاف الكل، فكان الامتناع في هذه الحالة إتلافًا للنفس من غير أن يكون فيه تحصيل ما هو المقصود بالحرمة، فلا يكون مطيعًا لربه، ويكون متلفًا نفسه بترك الترخص، فيكون آثمًا.

ولهذا النوع أمثلة غيرها ذكرها السرخسي في أصوله، إن شئت التفصيل فراجعه (٣) .


(١) أصول السرخسي ١ / ١٢٠ – ١٢١.
(٢) تسهيل الوصول ص ٢٥٠.
(٣) أصول السرخسي ١ / ١٢١ – ١٢٢. وكشف الأسرار شرح المنار للمصنف النسفي ١ / ٤٧١.

<<  <  ج: ص:  >  >>