للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مثاله رخصة الإفطار للمسافر والمريض في رمضان، فإن السبب الموجب للصوم المحرم للفطر قائم، وهو شهود الشهر، لقوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: ١٨٥] ، لكن تراخى حكمه في حقها – وهو وجوب أداء الصوم وحرمة الإفطار – إلى إدراك عدة من أيام أخر ترخيصًا لهما وتيسيرًا، لقوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة: ١٨٥] .

ولقيام السبب الموجب صح أداؤهما لو صاما، ولتراخي الحكم لو ماتا قبل إدراك عدة من أيام أخر لم يكن عليهما شيء من القضاء أو الفدية، كما لو ماتا قبل رمضان. ولو كان وجوب أداء الصوم ثابتًا للزمهما الوصية بالفدية، لأن ترك الواجب لعذر وإن كان رافعًا للإثم ولكنه لا يسقط الخلف، وهو القضاء أو الفدية.

بخلاف المكره على الإفطار في رمضان، إذا أفطر ومات قبل إدراك زمان القضاء، فإنه يلزمه الوصية بالفدية قبل موته، لأن الحكم وهو وجوب أداء الصوم وحرمة الإفطار قائم في حقه غير متراخ، لكن سقوط المؤاخذة عنه رخصة له كما قدمناه في النوع الأول (١) .

حكم هذا النوع:

١- إن الأخذ ب العزيمة أولى إذا لم يضعفه الصوم، فالصوم أفضل من الإفطار.

٢- والأخذ بالرخصة أولى إذا ضعف عن الصوم في السفر أو فات منه أمر أهم كالجهاد، فالإفطار أولى.

٣- والأخذ بالرخصة واجب إن خاف الهلاك على نفسه، فيلزمه الفطر. لأنه لو صبر وصام فمات كان قتيل الصوم، وهو المباشر لفعل الصوم فيصير قاتلاً نفسه، تحري عدم التناقض.

فيأثم، لأنه يجب عليه الاحتراز عن قتل نفسه، بخلاف ما إذا أكرهه ظالم على الفطر فلم يفطر حتى قتله فإنه يثاب؛ لأن القتل هنا مضاف إلى الظالم، وبصبره أظهر الطاعة لله تعالى، وذلك عمل المجاهدين.

واعلم أن النوع الأول والثاني هو ما يطلق عليه اسم الرخصة حقيقة، لأن الرخصة الحقيقية هي التي تكون العزيمة المقابلة لها ثابتة معمولاً بها في الشريعة، وهذا ظاهر في النوعين المتقدمين، والنوع الأول أثبت وأقوى من النوع الثاني في صدق لفظ الرخصة عليه حقيقة (٢) .


(١) كشف الأسرار مع نور الأنوار ١ / ٤٦٤ – ٤٦٥. وأصول السرخسي ١ / ١١٩. وتسهيل الوصول إلى علم الأصول ص ٢٤٩.
(٢) تسهيل الوصول ص / ٢٤٩ – ٢٥٠. وانظر كشف الأسرار مع نور الأنوار ٤٦٦/١.

<<  <  ج: ص:  >  >>