للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المسألة الثانية:

وهي إذا أفتى المجتهدون في عصر بحكم واحد في مسألتين بدون تفصيل فهل لمن بعدهم أن يفرقوا بينهما؟

مثاله: أن يقول بعضهم بعدم وجوب الزكاة في مال الصبي ولا في الحلي المباح، وأفتى البعض الآخر في العصر نفسه بحكم مخالف لهذا، فقال: تجب الزكاة في مال الصبي والحلي المباح، ولم يعرف من أهل عصرهم من فرق بين المسألتين، فهل يجوز لمن بعدهم أن يفرق بينهما فيه، بأن يقول: تجب الزكاة في مال الصبي ولا تجب في الحلي المباح.

اختلف الأصوليون في هذه المسألة على ثلاثة أقوال: ومحل النزاع إذا لم ينصوا على عدم الفرق بينهما، فإن نصوا على ذلك فلا خلاف في عدم جواز التفرقة بين المسألتين في الحكم.

القول الأول: يجوز مطلقا اتحد الجامع بين المسألتين أو اختلف.

- الثاني: لا يجوز مطلقا.

- الثالث: تجوز التفرقة عند اختلاف الجامع – ولا تجوز عند اتحاده، وهو اختيار البيضاوي.

مثاله: كتوريث العمة والخالة، فإن علة توريثهما أو عدم توريثهما كونهما من ذوي الأرحام، وكل من ورث واحدة أو منعها قال في الأخرى كذلك، فصار ذلك بمثابة قولهم: لا تفصلوا بينهما، فلا يجوز التفرقة بينهما بأن تورث إحداهما دون الأخرى.

المسألة الثالثة:

إذا اختلف المجتهدون في العصر الواحد في حكم المسألة على قولين، فهل يجوز الاتفاق منهم بعد ذلك على أحد القولين:

اختلفوا فيها فمنهم من جوز الاتفاق بعد الاختلاف وهو اختيار ابن الحاجب والرازي والبيضاوي، ومنهم من منعه وهو اختيار الصيرفي والباقلاني.

وقال إمام الحرمين والآمدي: يجوز إن لم يستقر الخلاف، ولا يجوز عند استقراره (١) .

المسألة الرابعة:

في جواز اتفاق العصر اللاحق على أحد قولين للعصر السابق.

إذا اختلف المجتهدون في عصر واحد على قولين في مسألة فهل يجوز للمجتهدين بعدهم أن يتفقوا على قول واحد من هذين القولين ويكون العمل بالقول الآخر ممتنعا؟

ذهب الآمدي والصيرفي وإمام الحرمين وأحمد بن حنبل إلى المنع، وأجازه الإمام الرازي والبيضاوي وقالا بحجيته إذا وقع.

مثاله: اتفاق التابعين على تحريم بيع أم الولد، بعد اختلاف الصحابة في ذلك.

وتحريم التابعين لنكاح المتعة بعد القول بجوازه من ابن عباس (٢) .

وقد استدل كل فريق لما ذهب إليه، ولم يسلم من المناقشة من الفريق الآخر، ومن ثم تميل إلى المطولات لمن أراد المزيد من التفصيل.


(١) تيسير التحرير ٣ / ٨٩٦ – ٩٠٠.
(٢) لم يرتض الإسنوي هذين المثالين فنقل اعتراض الآمدي على المثال الأول حيث أنكر حصول الإجماع من التابعين بشأنه كذلك قال في فواتح الرحموت: وأما إجماعهم على حرمة بيع أم الود فلم يصح فيه ولم ينقل بوجه يقبله العقل وقوانين الصحة. أما المثال الثاني فقد قال الشيخ بخيت المطيعي في حاشيته على سمع الإسنوي على منهاج الأصول ٣ / ٩٠١. يحتمل أن يكون المراد متعة الحج، أما متعة النساء فلا يصح التمثيل به كما قال الإسنوي.

<<  <  ج: ص:  >  >>