للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مثال ما لا يرفع شيئًا مما أجمع عليه السابقون:

اختلافهم في جواز أكل المذبوح بلا تسمية.

قال بعضهم: يحل مطلقا سواء كان الترك عمدا أو سهوا.

وقال بعضهم: لا يحل مطلقا.

فالتفصيل بين العمد والسهو ليس رافعا لشيء أجمع عليه القائلون بل هو موافق في كل قسم منه لقائل.

ومثال ما يرفع متفقا عليه:

ميراث الجد مع الإخوة، قيل: يرث المال كله، وقيل: يقاسم الإخوة. فالقول بأنه لا يرث أصلاً قول ثالث، وقد رفع ما أجمع عليه أصحاب القولين السابقين.

والخلاف في هذه المسألة يثبت إن كان المجتهدون جميعهم تكلموا في المسألة واختلفوا فيها على قولين كما صرح به الإمام الغزالي في المستصفى، وأما مجرد نقل القولين في عصر من الأعصار فإنه لا يكون مانعا من إحداث القول الثالث، لأنا لا نعلم هل تكلم الجميع فيها أم لا؟

وقد استدل المانعون بأن أهل العصر الواحد حينما يختلفون في المسألة على قولين فقط، يكون ذلك اتفاقا منهم على أنه لا يجوز إحداث قول ثالث فيها، فإحداث قول ثالث يكون مخالفًا لاجتماعهم ومخالفة الإجماع غير جائزة. واستدل المجوزون بأن اختلاف المجتهدين الأولين في المسألة على قولين مشعر بأنها مسألة اجتهادية والمسألة الاجتهادية لا يكلف فيها المجتهد إلا بما وصل إليه اجتهاده.

وإن اختلاف الأولين دليل على عدم الإجماع ومن ثم لا يوجد ما يمنع من الاجتهاد في المسألة.

واستدل المفصلون: بأن القول الثالث إذا كان رافعا لما اتفق عليه الأولون يكون إحداثه مخالفًا للإجماع ومخالفة الإجماع غير جائزة، أما إذا لم يكن رافعا لما اتفق عليه لم يكن فيه مخالفة للإجماع فيجوز إحداث القول الثالث (١) .

قال الإمام الغزالي: إذا اجتمعت الأمة في المسألة على قولين كحكمهم في الجارية المشتراة إذا وطئها المشتري، ثم وجد بها عيبا فقد ذهب بعضهم إلى أنها ترد مع العقر. وذهب بعضهم إلى منع الرد، فلو اتفقوا على هذين المذهبين كان المصير إلى الرد مجانا خرقا للإجماع عند الجماهير إلا عند شذوذ من أهل الظاهر، والشافعي إنما ذهب إلى الرد مجانًا، لأن الصحابة بجملتهم لم يخوضوا في المسألة، وإنما نقل فيها مذهب بعضهم، فلو خاضوا فيها بجملتهم واستقر رأي جميعهم على مذهبين لم يجز إحداث مذهب ثالث (٢) .


(١) نهاية السول في شرح منهاج الأصول للإسنوي ٣ / ٨٨٣، ٨٨٦. البحر المحيط ٤ / ٥٤٠، ٥٤٢. تيسير التحرير ٣ / ٢٥٠، ٢٥٢. فواتح الرحموت ٢ / ٢٣٥.
(٢) المستصفى ١ / ١٩٨، ١٩٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>