للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢ـ الطعن في السنة:

السنة النبوية هي المصدر الثاني للإسلام، وقد كان لها الفضل الأكبر في إظهار المراد من الكتاب، وفي إزالة ما قد يقع في فهمه من خلاف أو شبهة.

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} (١) .

وقال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (٢) .

وبهذا كان الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ مأمور بتبليغ ما أنزل الله عليه، ومطالبًا ببيانه.

وقد فعل الرسول ما أمره الله به، فكانت سنته المتمثلة في أقواله وأفعاله وتقريراته، بالنسبة للقرآن بمثابة (تفصيل مجمله وبيان مشكله وبسط مختصره) (٣) .

وبذلك يكون الارتباط بين القرآن والسنة ارتباطًا لا يتصور أن ينفصم في يوم من الأيام، وقد أكد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على ذلك حين قال: ((تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما: كتاب الله وسنتي)) (٤) .

ومن أجل ذلك اهتم المسلمون اهتمامًا عظيمًا بالسنة بوصفها الأصل الثاني للإسلام، ومصدرًا للأحكام الشرعية مع القرآن، وانعقد إجماعهم على ذلك، ومضى على ذلك الخلفاء الراشدون ومن بعدهم قولًا وفعلًا.

وكذلك استمر الصحابة ومن تبعهم بإحسان وفي الرجوع إلى السنة بعد القرآن لمعرفة ما تعبد الله به عباده من الحلال والحرام، وسائر الأحكام في العبادات والمعاملات.

واستمر من بعد الصحابة والتابعين فقهاء الأمصار وأئمة المذاهب المتبوعة وأصحابهم وتلاميذهم، وغدت السنة للجميع المصدر الغني الخصب في كل أبواب الفقه (٥) .

وقد أراد المستشرقون بعد محاولتهم الفاشلة للتشكيك في القرآن الكريم من جوانب مختلفة، وبعد أن أعياهم البحث ـ ولم يكن لهذه المحاولات أي أثر إيجابي لدى المسلمين المتمسكين بقرآنهم، وتبين أن هذه المحاولات لم تكن إلا كما قال الشاعر العربى:

كناطح صخرة يوما ليوهنها فلم يضرها وأوهي قرنه الوعل

أراد المستشرقون أن يوجهوا محاولات التشكيك إلى ناحية، وهي السنة النبوية مع الاستمرار في محاولاتهم السابقة الفاشلة (٦) .

ومحاولة تشويه السنة عميقة الجذور في تاريخ حربهم للإسلام، وهي محاولات تستهدف حرب القرآن الكريم، وعزل المسلمين عن دينهم بتشويه مصدريه, وهي حرب تدخل حديثًا في الغزو الفكري للمسلمين، وقد جند أعداء الإسلام لتشويه سنة النبي صلى الله عليه وسلم أقلامًا وكتبًا ومجلات، ملأوا بهذا التشويه كثيرًا من الكتب والمجلات ودوائر المعارف التي تتحدث عن الإسلام، وتعتبر مراجع لفكره وثقافته عند كثير من الباحثين والدارسين الذين لا يستطيعون قراءة الكتب العربية، بل إن كثيرًا من هذه المراجع ترجم إلى اللغة العربية واعتبره كثير من أبناء العربية مراجع هامة عن الإسلام فكره وتاريخه وثقافته (٧) .


(١) سورة المائدة: الآية ٦٧
(٢) سورة النحل: الآية ٤٤
(٣) راجع: الموافقات، للشاطبي: ٤/ ١٢
(٤) رواه الحاكم في مستدركه عن أبي هريرة رضي الله عنه
(٥) المدخل لدراسة السنة النبوية، د. يوسف القرضاوي: ص ٤٥، مكتبة المدارس، الدوحة ـ قطر
(٦) راجع ما كتبه، د. محمود حمدي زقزوق، الاستشراق والخلفية الفكرية للصراع الحضاري: ص ١٠٠، كتاب الأمة، الطبعة الأولى، صفر الخير ١٤٠٤ هـ
(٧) الغزو الفكري، والتيارات المعادية للإسلام: ص ٣٧

<<  <  ج: ص:  >  >>