للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد أسهمت المنظمات الدولية في هذا المجال بما في ذلك الأمم المتحدة، واليونسكو والتربية الأساسية على وجه الخصوص، والتي تعتبر امتدادًا لمخططات ترمي إلى فصل الدين عن الدولة، وتخريج شباب متميع منهزم خاضع للأهواء والشهوات, ولقد أدرك قسم من المسلمين الخطر الرهيب الذي يتمثل في غزو مناهج التعليم في بلاد المسلمين من قبل المستعمرين، فعملوا على أن يحتفظوا بتراثهم الإسلامي، وذلك ببناء مدارس وجامعات تدرس فيها العلوم الإسلامية، من غير أن يكون للفكر الدخيل تأثير فيها.. لكن المسلمين لم يستطيعوا التوصل إلى ما يريدون، ذلك أن الإرساليات التبشيرية كانت تتمتع بنفوذ قوى، وكانت الجامعات التبشيرية تساندها قوى مادية كبرى، فوق النفوذ الذي كان لدول الجامعات التبشيرية.

وهكذا نشأ في المجتمع الإسلامي تياران متعارضان في الثقافة والتعليم: التيار الإسلامي القديم وتيار الجامعات الأجنبية الجديدة.

أما مدارس الدولة، فكانت مناهجها قريبة جدًّا من مناهج الإرساليات التبشيرية والمدارس الأجنبية. (١)

فمن الوسائل الخبيثة التي سار عليها الغزو الفكري: فصل العلوم الدينية عن العلوم الأخرى فصلًا يجعل بينهما هوة سحيقة، واصطناع الخلاف والشقاق، ثم الخلاف والشقاق، ثم العداء بين علوم الدين وعلوم الدنيا، وبين علماء هذين القسمين، وتيسير سبل المال والمجد الدنيوى لمتعلمى علوم الدنيا، وحجبها عن نظرائهم من متعلمى علوم الدين، ولم تقتصر عملية الفصل هذه على مستوى التعليم التخصصى العالى، ولكن المكيدة كانت شاملة تهدف إلى عزل طلاب علم الدنيا عن الدراسات المتعلقة بعلوم الدين عزلًا تامًّا في الصيغة والطريقة والمضمون، وإلى عزل طلاب علوم الدين عن الدراسات المتعلقة بعلوم الدنيا عزلًا تامًّا أيضًا، لئلا تتكشف الملاءمة التامة بين الأصول الصحيحة لقسمى علوم الدين وعلوم الدنيا، فينصر الحق من كل منهما الحق من صاحبه، وينفي عنه الدخيل الدعي، ولئلا تتكامل منهما المعرف على صراط الله المستقيم، فيحتل المسلمون الصادقون مجد الدنيا والآخرة (٢) .

ومن طبيعة هذا الفصل أن يولد مع الزمن تعصب كل فريق لنوع دراسته ولمنهج بحثه، ولطريقة تقصيه للحقائق، وإن كان فيها نقص لا يتأتى تكميله إلا بالتعاون والتآزر مع الفريق الآخر.

وبمرور الزمن يتم الفصل بين الدين والحياة، وحينئذ تجد الأمة نفسها مضطرة لأن تقتبس لنظام حياتها من الأنظمة المستوردة من صادرات أعدائها، وهي أنظمة قائمة على أسس لا صلة لها بالدين، ولا تعترف بشريعة الله.

وبذلك يحقق الغزاة هدفهم من غزو الأفكار والنفوس والقلوب، وهدفهم من غزو سلوك المسلمين، وهذا يمهد لعمليات الاحتلال الكامل، الذي تعدو به على الأمة عوادي الكفر.

(٣) .


(١) المسلمون أمام تحديات الغزو الفكري، إبراهيم النعمة، طبعة ثانية: ص ١٥
(٢) انظر: بحث الأستاذ عبد الرحمن حسن حنبكة الميدانى: ص ٥١٠، ضمن كتاب الغزو الفكري والتيارات المعادية للإسلام، مرجع سابق
(٣) بحث الأستاذ عبد الرحمن حسن حنبكة الميدانى: ص ٥١١، ضمن كتاب الغزو الفكري والتيارات المعادية للإسلام

<<  <  ج: ص:  >  >>