للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول (القس زويمر) : (المدارس أحسن ما يعول عليه المبشرون في التحكم بالمسلمين) (١) .

لقد أقبل المسلمون على هذه المدارس بكثرة كاثرة، يزدردون مناهجها، ولا يميزون بين صحيحها من فاسدها، وقد بنيت هذه المناهج على أسس تختلف عن أسس الإسلام الصحيحة في العقيدة والشريعة والنظرة إلى الكون والحياة والإنسان، على أن هذه المدارس كانت تساندها جمعيات كثيرة تمدها بالمال وبكل ما تحتاجه، ونستطيع أن ندرك أهمية هذه المدارس في أعمالها التخريبية باهتمام المستعمرين بها ,إذ أنهم ما دخلوا بلدًا إلا كان ما فعلوه أن فتحوا المدارس، وقد قال القائد الفرنسي (بيير كيللر) عن المعاهد الفرنسية في لبنان: (فالتربية الوطنية كانت بكاملها تقريبًا في أيدينا، وفي بداية حرب عام ١٩١٤ ـ١٩١٨م كان أكثر من اثنين وخمسين ألف تلميذ يتلقون دروسهم في مدارسنا، وكان بين هؤلاء فتيان وفتيات ينتمون إلى عائلات إسلامية عريقة) (٢) .

وقد أدت هذه المدارس دورًا عجزت عن أدائه أجهزة التبشير والاستشراق كلها، ويكفينا أن نعلم أن مؤتمر (أدنبرج) التبشيري الذي عقد عام ١٩١٠م وحضره ١٢٠٠ من مندوبيه كان مما قرره ما يأتي: "اتفقت آراء سفراء الدول الكبرى في عاصمة السلطنة العثمانية على أن معاهد التعليم الثانوية التي أسسها الأوروبيون كان لها تأثير على حل المسألة الشرقية يرجح على تأثير العمل المشترك الذي قامت به دول أوروبا كلها" (٣) .

ويقول المبشر (تكلى) : "إن الكتب المدرسية الغربية تجعل الاعتقاد بكتاب شرقي مقدس أمرًا صعبًا جدًّا" (٤) .

ويقول المستشرق (هاملتون جب) : "لقد استطاع نشاطنا التعليمي والثقافي من طريق المدرسة العصرية والصحافة أن يترك في المسلمين ـ ولو من غير وعى منهم ـ أثرًا يجعلهم في مظهرهم العام (لا دينيين) إلى حد بعيد، ولا ريب أن ذلك هو اللب المثمر في كل ما تركت محاولات الغرب لحمل العالم الإسلامي على حضارته من آثار" (٥) .

ولم يعد دعاة الشر يقنعون بالكلام فحسب، ولم يعد شرهم مقصورًا على محاولة نشر سمومهم بالدعاية لها, فقد نجحوا في التسلل إلى مناصب تمكنهم من أن يدسوا برامجهم ومناهجهم على المسؤولين من رؤسائهم وينفذونها في صمت، ودعاة الشر هؤلاء يعملون في ميادين كثيرة لا يكاد يخلو منهم ميدان, ولكن أخطر ما يكون إفسادهم إذا تسلل إلى ميدان التعليم، ولهم أساليب خبيثة في الوصول إلى أهدافهم (٦) .

ولقد تغلغل الغزو الفكري إلى أجهزة التعليم، وتمت السيطرة على التعليم قلبًا وقالبُا وفلسفة وتنظيمًا، ومحتوى ومستوى، وتمويلًا وإرادة, ومناهجًا وطريقة، وتدريسًا ولغة، ومدرسين وإدارة.


(١) الغارة على العالم الإسلامي: ص ٤٨، الطبعة الثانية ١٣٨٤هـ
(٢) الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر، للدكتور محمد محمد حسين: ٢/ ٢٧٢، الطبعة الثانية
(٣) الغارة على العالم الإسلامي: ص ٥٧
(٤) التبشير والاستعمار للأستاذين مصطفي الخالدي وعمر فروخ: ص٨٨، الطبعة الثانية ١٩٥٧
(٥) من التبعية إلى الأصالة، للأستاذ أنور الجندي: ص ١٣٢، طبعة دار الاعتصام القاهرة ١٩٧٧م
(٦) انظر مزيدًا من التفصيل في كتاب: حصوننا مهددة من داخلها، الدكتور محمد محمد حسين، المكتب الإسلامي، الطبعة الخامسة

<<  <  ج: ص:  >  >>