للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال ابن كثير رحمه الله: ومن تدبر القرآن وجد فيه من وجوه الإعجاز فنونا ظاهرة وخفية من حيث اللفظ ومن جهة المعنى قال الله تعالى: {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} (١) .

فأحكمت ألفاظه وفصلت معانيه، وكل من لفظه ومعناه لا يجاري ولا يداني، يقول ابن عطية في تفسير هذه الآية الكريمة: أحكمت أتقنت وأجيدت شبه ما تحكم من الأمور المتقنة الكاملة، وبهذه الصفة كان القرآن في الأزل، ثم فصل بتقطيعه وتبيين أحكاه وأوامره على محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ في أزمنة مختلفة فتم على بابها، وهذه طريقة الإحكام والتفصيل، إذ الإحكام صنعة ذاتية، والتفصيل إنم هو بحسب من يفصل له والكتاب بأجمعه محكم ومفصل (٢) . فقد أخبر عن مغيبات ماضية كانت ووقعت طبق ما أخبر سواء بسواء، وأمر بكل خير ونهي عن كل شر كما قال تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا} (٣) .

ثم قال دروزة: ولو كان الخوري يخضع للحق والحقيقة أو يتحراها لكان راعى ما قاله جمهور العلماء القدماء، ولما قال ما قال عنهم من الموقف السلبي بأسلوب حاسم، ومن غبائه أنه لا يخطر لباله أن كتب القدماء والكتب التي ينقل عنها ليست عنده وحده، ونحن إذ نركز الكلام في هذا المبحث على الإعجاز الإلهي في المحتوى فليس ذلك منا إغفالا للإعجاز الإلهي في النظم القرآني، فهذا من المسلمات التي لا تتحمل إطنابا جديدا، وقد وفاها العلماء قديما وحديثا حقها بما لا محل للمزيد عليه، وإنما كان ذلك منا؛ لأنه مقتضى الكلام والحافز عليه من جهة، ولأننا نعتقد أن الإعجاز القرآني هو في المحتوى في الدرجة الأولى هو ما اهتم القرآن للتنويه به أكثر والله أعلم (٤) .


(١) سورة هود: الآية ١
(٢) تفسير ابن عطية: ٧/٢٣٣ ـ ٢٣٤
(٣) سورة الأنعام: الآية ١١٥
(٤) راجع: القرآن والمبشرون: ص ٣٣٤ ـ ٣٣٥، ص ٣٢٧ ـ ٣٢٨

<<  <  ج: ص:  >  >>