للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٥ ـ ويقارن الأستاذ مالك بن نبي (١) بين قصة يوسف في القرآن الكريم والتوراة وينتهي من المقارنة بأن ما بين القصتين من الاختلاف أكثر مما بينهما من الاتفاق، وأن ما اتفقا فيه يتميز فيه القرآن بالوضوح والبيان بما يجعله ذا طباع خاص متفرد ويبطل فكرة الاقتباس من أساسها، يقول الأستاذ مالك بن نبي: "إنه لم يثبت أن كان بمكة وضواحيها أي مركز ثقافي ديني ليقوم بنشر فكرة الكتاب المقدس التي عبر عنها القرآن ... ومن ناحية أخرى: لو أن الفكرة اليهودية المسيحية كانت قد تغلغلت حقًّا في الثقافة والبيئة الجاهلية فإن من غير المفهوم ألا توجد ترجمة عربية للكتاب المقدس، وهناك حدث مؤكد فيما يتصل بالعهد الجديد الإنجيل وهو أنه حتى القرن الرابع الهجري لم تكن قد وضعت له ترجمة عربية، نعرف هذا من مصادر الغزالي الذي اطر أن يلجأ إلى مخطوط قبطي كي يحرر رده". (٢)

وقد ذكر الأب شدياق أن أول نص مسيحي ترجم إلى العربية كان مخطوطًا بمكتبة القديس بطرسبرج كتب حوالي ١٠٦٠م بيد رجل يدعى "ابن العسال".

وهكذا لم تكن توجد ترجمة عربية للإنجيل، فهل كان يمكن أن توجد ترجمة للتوراة وهي الأقدم؟ إن القرآن الكريم يقول لليهود: {قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (٣) .

أفليس هذا دليلًا على أنه لم يكن يوجد من يقرأ العبرية من العرب من ناحية، وعلى أنه لم تكن توجد ترجمة عربية للتوراة من ناحية أخرى؟ وعليه فلا شيء أقل احتمالًا من وجود تأثير توحيدي في البيئة الجاهلية لانعدام المصادر اليهودية والمسيحية المكتوبة فيها بحيث يصبح من المستحيل أن نقول بإمكان حدوث امتصاص لا شعوري للذات المحمدية في هذا الوسط الجاهلي (٤) .


(١) الظاهرة القرآنية: ص ٢٥٢ ـ ٣٠٦
(٢) يشير إلى كتاب الغزالي: الرد الجميل على من ادعى ألوهية المسيح لصريح الإنجيل
(٣) سورة آل عمران: الآية ٩٣
(٤) الظاهرة القرآنية: ص ٣١٠ ـ ٣١٢؛ وانظر مقارنات أخرى في: الإسلام في مواجهة الاستشراق: ص ٥٤٣ ـ ٥٦٥

<<  <  ج: ص:  >  >>