والرد قد يمكن توجيهه إلى حد ما طبق الأطروحة التي تعتمد الشورى أساسًا , وإن أمكن القول بأن أهل الحل والعقد المتدينين سوف يميلون بالطبع إلى رجال الفقه والدين، فإذا افترضنا هؤلاء ممن ابتلوا بالجمود كان من المتوقع للدولة الجمود على وضعها وعدم تطورها وهذا ما يرفضه المنطق الاجتماعي ولكن النقص الأساسي في الرد يكمن في تمثيله بحكام امتلكوا الأمر بالجور والقهر والقتل وشوهوا وجه التاريخ الإسلامي بالظلم والهتك والمكر , فهل يرضى الدكتور أن يمتلك أمر الأمة أمثال يزيد؟ إنها والله الداهية الدهياء , على أن الرد لا ينسجم مع النظرية التي تعطي الفقيه الدور الأساسي في الأطروحة ضمن شروط خاصة كما سنبين.
وأم الدافع الثالث: فهو دافع متوقع جدًّا بعد نفوذ الغرب وتصوره عن الدين وتشبع المثقفين العرب بذلك , وبهر الغرب لهم بنظامه الديمقراطي الذي يفصل بين الدين والسلطة , وهو أمر ينسجم مع الدين المسيحي المنحرف , والذي لم يعد سوى دين ينظم جوانب العبادة الشكلية لا غير، وسنوضح هذه النقطة في البحث التالي عن العلمانية.
والشيء الهام الذي نود التنبيه عليه في هذا المجال هو أن نقاط الضعف الكبرى الموجودة في بعض التصورات لنظام الحكم في الإسلام، كان لها أكبر الأثر في موقف هؤلاء إن لم تكن هي الدافع الرئيس لذلك.
ولكن هنا نلخص بعضها المحتمل قويًّا تأثيره في هذا الموقف:
(أ) ضعف الأدلة المقامة على نوعية نظام الحكم " الشورى " المستقل عن عنصر الولاية وقبوله كلها للمناقشة الدلالية وبعضها للمناقشة السندية، ولعل كلمة خالد محمد خالد تشير إلى ذلك.
(ب) غموض نظام الشورى وعدم احتوائه ـ على الأقل ـ على المبادئ الضرورية لتكوين أي نظام.
(ج) تأرجح تطبيق هذا النظام بين تطبيقات مختلفة.
(د) تعميم عنوان (ولي الأمر) لكل من مسك بأزمة الأمور، وتعيين وجوب طاعته حتى ولو كان فاسقًا.
(هـ) وجود نقاط ضعف ولعل أهمها ما جاء في تفسير حديث (أنتم أعلم بشؤون دنياكم) .
فإذا ضممنا إلى ما تقدم المستوى الفكري غير المتحول الذي وصل إليه بعض الفقهاء في العصور الأخيرة , والجمود الذي ابتلوا به على أثر إغلاق باب الاجتهاد والتبعية المطلقة للرئاسة الدينية للدولة القائمة , وحدوث الكثير من العقبات في وجه الفقيه غير المجتهد. إذا ضممنا إليه كل ذلك عرفنا جانبًا هامًّا من جوانب هذه الدعوة الخطيرة.