للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنواع التداوي

إن الإسلام حافظ على صحة الإنسان من طريقتين:

أحدهما: الحمية، وذلك بتجنب الإنسان ما يضر بصحته، وتتبع قواعد الصحة عملًا بالحكمة القائلة: درهم وقاية خير من قنطار علاج، هذه الوقاية التي وردت في السنة بأشكال شتى، منها كما في قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا يوردن ممرض على مصح)) (١) . ومنها على شكل تحذير من مخالطة أصحاب الأمراض المعدية كما عبر عنه صلى الله عليه وسلم بقوله: (( ... وفر من المجذوم فرارك من الأسد)) (٢) . ومنها ما يعمل على حصر المرض في موضعه والمنع من انتشاره بشكل جماعي، والذي إليه الإشارة في قوله صلى الله عليه وسلم: ((فإذا وقع وأنتم بأرض فلا تخرجوا منها وإذا سمعتم به في أرض فلا تأتوها)) (٣) .

وثانيهما: أنه إذا ما قدر للإنسان أن تعتل صحته بعد تلك الاحتياجات فإنه يلجأ إلى التداوي لحماية النفس من المرض وتقصير طرقه وإعادة البدن إلى وضعه الطبيعي وذلك عن طريق التداوي، وهذا المرض الذي يصيب الإنسان نوعان (٤) .

النوع الأول: مرض القلوب، وهو قسمان: مرض شبهة وشك وهو الذي عبر عنه القرآن الكريم بقوله: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا} (٥) .

أما القسم الثاني منه فهو: مرض الشهوات وإليه الإشارة في قوله تعالى: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} (٦) .

وعلاج هذا المرض بنوعيه موكل إلى الرسل، لأن صلاح القلوب يتوقف على ربطها بخالقها لتتوفر لها أركان الإيمان، وما يتبع ذلك من اتباع الأوامر واجتناب مساخطه ولا صحة ولا حياة البتة إلا بذلك، فالمسلم يأخذ علاج هذا النوع بالرجوع إلى صيدلية الإيمان وهو القرآن الذي جعله الله شفاء لما في الصدور.

فإن اتصال القلب بخالق الداء والدواء من أكبر الأدوية على دفع الداء وقهره (٧) .


(١) فتح الباري: ١٠/٢٤٢؛ وصحيح مسلم: ٤/١٧٤٣، كتاب السلام.
(٢) فتح الباري: ١٠/١٥٨، باب الجذام.
(٣) فتح الباري: ١٠/١٧٨ - ١٩٢؛ والمصنف: ١١/١٤٦، وانظر: الآداب الشرعية: ٣/٣٧٩ - ٣٨٦؛ وابن تيمية: ٢٤/٢٨٤، وفيه حديث قول النبي صلى الله عليه وسلم للمجذوم: (ارجع فقد بايعناك) وكشاف القناع: ٦/١٢٦، وفيه لا يصح للجذماء مخالطة الأصحاء.
(٤) الطب النبوي لابن القيم: ص٨٥ - ٩٩؛ والمفردات للأصفهاني: ص٤٦٦، كما عرف المرض فإنه الخروج عن الاعتدال الخاص بالإنسان وذلك ضربان.
(٥) سورة البقرة: الآية ١٠.
(٦) سورة الأحزاب: الآية ٣٢.
(٧) إغاثة اللهفان: ١/٤٤، وفيه القرآن متضمن لأدوية القلب وعلاجه من جميع أمراضه، وانظر كذلك: ص٩١ من نفس المصدر؛ وفتح القدير للشوكاني: ٣/٢٥٣، طبعة الحلبي.

<<  <  ج: ص:  >  >>