للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذا الوضع الاجتماعي لم يكن يسمح لها أن تعرض نفسها إلى الصعوبات الموجودة في طلب العلم، كما أن تعلم المرأة لمثل هذه العلوم المختصة كان يتم عن طريق أحد ذويها أو على يد معلم خاص، وكلا هذين الأمرين لا يتيسران للجمهرة العظمى من النساء (١) ، ومع ذلك فقد برع في صناعة الطب عدد من النساء حفظ لنا التاريخ بعضهن ووجد في عصر النبوة طبيبات مسلمات، فقد كانت عائشة على علم بالطب، كما روى لنا عروة أنه كان يقول لعائشة - رضي الله عنها - يا أمتاه لا أعجب من فقهك، أقول: (زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم وابنة أبي بكر ولا أعجب من علمك بالشعر وأيام الناس، أقول:ابنة أبى بكر وكان من أعلم الناس، ولكن أعجب من علمك بالطب، قالت: أي عرية إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسقم عند آخر عمره، فكانت تقدم عليه وفود العرب من كل وجه فتنعت له الأنعات، فكنت أعالجه، فمن ثم) (٢) .

كما عرفت بالطب رفيدة الأسلمية التي كانت تداوي الجرحى، وهي التي داوت جرح سعد بن معاذ حين أصيب في أكحله (٣) ، ومن الطبيبات أيضًا الربيع بنت معوذ الأنصارية الصحابية، كانت تداوي الجرحى، وكذلك أم سنان وغيرهن كثيرات (٤) ، واستمر إسهام الطبيبات المسلمات عبر عصور الحضارة الإسلامية (٥) إلى اليوم.

وأما فيما يتعلق بالأحكام الفقهية من حيث مداواة المرأة للرجل، فقد ذهبوا في الجملة إلى الجواز في ظل قاعدة ((الضرورات تبيح المحظورات)) مع اشتراط بعض القيود، كالأصل عدم جواز التداوي إلا بين المحارم، لما يترتب عليه من النظر المحرم أو الخلوة المحرمة بالأجنبية والأجنبي، لذا نص بعضهم على ذلك بقوله: (وإن لم يوجد من يطبه سوى امرأة فلها نظر ما تدعو الحاجة إلى نظره حتى فرجيه ... ) (٦) . ويمكن أن يستدل لهؤلاء القائلين بجواز تطبيب المرأة للرجل بحديث الربيع بنت معوذ قالت: (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم نسقي ونداوي الجرحى، ونرد القتلي) (٧) ، وقد بوب عليه البخاري بقوله: باب مداواة النساء الجرحى في الغزو، ثم قال: وفيه جواز معالجة المرأة الأجنبية الرجل الأجنبي للضرورة (٨) .

ويستدل لجواز مداواة المرأة للمحرم بما صح من مداواة فاطمة عليها السلام للنبي صلى الله عليه وسلم حين أخذت قطعة من حصير فأحرقتها وألصقتها فاستمسك الدم (٩) .


(١) الطب عند العرب والمسلمين، د. محمود الحاج: ص٨٨ - ٨٩ نقلًا عن تاريخ التربية، للدكتور أحمد شلبي.
(٢) تخرج الدلالات السماعية، للتلمساني: ص٦٧٧؛ والتراتيب الإدارية: ١/٤٥٥.
(٣) الأكحل: عرق يبين في ذراع الإنسان، غريب الحديث لابن الجوزي: ٢/٢٨٢؛ وتهذيب التهذيب: ١٢/٤١٨ في ترجمة رفيدة.
(٤) الطب عند العرب والمسلمين: ص٥٨.
(٥) الطب عند العرب والمسلمين: ص٨٨.
(٦) الآداب الشرعية: ٢/٤٦٤.
(٧) فتح الباري: ٦/٨٠ كتاب الجهاد.
(٨) فتح الباري: ٦/٨٠ كتاب الجهاد.
(٩) فتح الباري: ٧/٣٧٢ كتاب المغازي.

<<  <  ج: ص:  >  >>