للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدكتور حمداتي شبيهنا ماء العينين:

بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

لقد أعددت بحثًا حول هذا الموضوع لمقارنته بين الرهن وبيع الوفاء، بينت فيه أحكام الرهن التي لا تحتاج إلى تبيين لأنها محل إجماع من الفقهاء ومؤصل بالكتاب والسنة، ولما وضحت الصور والحالات التي يمر منها الرهن، تعرضت لبيع الوفاء، هذا الاجتهاد الذي اجتهد فيه علماء الحنفية في القرن الخامس، وعلى ما أعلم فإن كل العلماء الآخرين وقفوا منه موقف الريبة لأنه ينافي الشرط الأساسي لعقد البيع، فالغاية الأولى من عقد البيع هي نقل العين محل البيع إلى ملكية المشتري ليتمكن فيها من التصرف بأي نوع كان، بينما عقد الوفاء يحد من هذه الحرية ويحد من حق الملكية الذي هو الشرط الأساسي للبيع، وبالتالي إذا اعتبرناه بيعًا فقد يكون فاسدًا حسب نظر الفقهاء الذين لم يقولوا بهذا الشرط، ومن حيث التراضي على البيع فهو يشابه عقد البيع كما قال الإخوة العلماء الذين تحدثوا عنه في بحوثهم التي بين أيدينا، لكن مرور الزمن من القرن الخامس عليه وهو يتحرك في المعاملات - وأعني في الفقه الحنفي - والحاجة الملحة إليه في هذا العصر أو الملحة إلى إبراز أحكامه، تجعل من الواجب أن ينظر إليه ولا أقول من خلال عقد البيع لأنه حتى في القوانين المدنية تقول إن حق البيع يخول الإنسان التصرف والاستغلال والتتبع، ومن حيث كونه يشابه عقد الثنايا أو الثنيا عند المالكية ففيه نظر، ذلك أن بيع الثنايا عند المالكية هو أن يستثني الإنسان سكناه سنة في الدار التي باعها، أو شهرًا في الدابة التي باعها، أو استخدام الأمة في شهور معينة، أما أن يكون يستثني الرجوع عن البيع وإرجاع العين المبيعة إلى شاريها فلا أعلم هذا في الفقه المالكي، وعليه فإننا إذ نحيي هذه السابقة لدراسته ونحيي الشيخ أستاذنا الجليل محمد الحبيب ابن الخوجة الذي أخرج لنا كتابًا مجهولًا تمامًا، وأعني عندنا في المغرب أننا نجهل كل شيء عن عقد البيع إلا فيما كتبته المجلة وفي شروحها وخصوصًا حيدر أفندي الذي قال على أن علماء الإسلام أجمعوا عندما شرعته المجلة على اتباعه، وأظن أنه كان يعني بعلماء الإسلام علماء الحنفية، أرى أن هذا الكتاب فتح مجالًا للنقاش ولكن لا يمكن بحال من الأحوال في نظري أن يسمى هذا الإجراء الذي أطلق عليه عقد البيع بيعًا لمنافاته لشرط البيع وكل ما أردت قوله عنه كتبته في البحث الذي بين أيديكم.

وشكرًا لكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

<<  <  ج: ص:  >  >>