والقاعدة الفقهية تقضي (بأن المعاملات طلق حتى يعلم المنع) لذلك بذل الفقهاء أقصى جهدهم - كما هو شأنهم - لبيان حكم هذا العقد وبخاصة فقهاء مذهب الإمام أبي حنيفة في سمرقند وبخارى وبلخ. فإن شئنا قلنا مدرسة ما وراء النهر لأنهم سلكوا هذا المسلك تجنبًا عن الوقوع في الربا لأن الصيغة بيع والحقيقة رهن.
فالقول بحل الانتفاع بالعين يكون هذا العقد بيعًا، ومن حيث الالتزام أو إلزام المشتري برد العين إلى البائع إذا أعاد البائع الثمن يكون رهنًا، وهنالك فروق واضحة ما بين الرهن وما بين البيع.
ومن هنا من أراد أن يلتمس هذه المسألة يجدها في كتب الفتاوى المطولة، ومن المعروف أن كتب الفتاوى هي في المرتبة الثالثة من كتب فقهاء الحنفية وليست من كتب الأصل.
إذن لنقل أولًا تعريف بيع الوفاء: تعددت أقوال الفقهاء في تعريف بيع الوفاء ولكنها متقاربة من حيث المعنى، عرف الزيلعي بقوله: هو أن يقول البائع للمشتري: بعت منك هذا العين بدين لك علىَّ على أنِّي متى قضيتُ الدين فهو لي، فهنا اختار عبارة (قضيت الدين) . ويأتي قاضيخان ويتبعه ابن نجيم معرفين بقولهما: بعت منك هذا العين بكذا على أنِّي متى دفعت لك الثمن تدفع العين إليَّ، استعمل هنا كلمة (تدفع) وهنالك قضاء، ونقل في هامش جامع الفصولين عن صاحب جواهر الفتاوي قوله: بيع الوفاء أن يقول: بعت منك على أن تبيعه مني متى جئت بالثمن وهنا جاءت كلمة (تبيع) ، وأما ابن عابدين فقد قال في الحاشية: هو أن يبيعه العين بألف على أنه إذا رد عليه الثمن رد عليه العين، وواضح أنه استعمل كلمة (رد) . أما في المجلة: فقد عرف الوفاء بأنه بيع المال بشرط أن البائع متى رد الثمن - إنها عبارة ابن عابدين - يرد المشتري إليه المبيع. وبالجملة هنالك أربع عبارات: قضاء الدين، ودفع الثمن، والبيع، والرد. وبالتأمل في هذه العبارات نجد أن صورة هذا العقد دائرة في لسان الفقهاء ما بين البيع والرهن، بل هو رهن في صورة بيع فهو عقد أحدث تحيُّلًا لتحصيل الأرباح من طريق مباح.
المصطلح المساوي له في المذاهب الأخرى: كما تعددت أقوال الفقهاء في تعريفه كذلك تعددت أقوالهم في أسمائه. فيسميه المالكية: بيع الثنيا، والشافعية: بيع العهدة، والحنابلة: بيع الأمانة، ويسمى أيضًا: بيع الطاعة وبيع الجائز، وعند فقهاء الحنفية أيضًا له أسماء فهو بيع الوفاء، والوجه في ذلك أن فيه عهدًا بالوفاء من المشتري بأن يرد المبيع على البائع حين رد الثمن، وهو البيع الجائز، وبعض الفقهاء يسميه: البيع الجائز، لعله مبني على أنه بيع صحيح لحاجة التخلص من الربا حتى يسوغ للمشتري أكل ريعه، وهو بيع المعاملة، والوجه فيه أن المعاملة ربح الدين، وهذا يشتري الدائن لينتفع به بمقابلة الدين، وهو بيع الأمانة، ويسمى بمصر بيع الأمانة، والوجه في اعتباره بيع أمانة، أنه أمانة عند المشتري، بناء على أنه رهن أي كالأمانة، وهو بيع الإطاعة كذا في بلاد الشام يسمى بيع الإطاعة أو الطاعة، ووجهه أن الدائن يأمر المدين ببيع داره مثلًا بالدين فيطيعه فصار معناه بيع الانقياد.