للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولأن البيع على هذا الوجه لا يقصد منه حقيقة البيع بشرط الوفاء، وإنما يقصد من ورائه الوصول إلى الربا المحرم وهو إعطاء الحال إلى أجل ومنفعة البيع هي الربح، والربا باطل في جميع حالاته.

وذهب بعض المتأخرين من الحنفية والشافعية إلى أن بيع الوفاء جائز مفيد لبعض أحكامه وهو انتفاع المشتري بالمبيع دون بعضها، وهو البيع من آخر. وحجتهم في ذلك أن البيع بهذا الشرط تعارفه الناس وتعاملوا به لحاجتهم إليه فرارًا من الربا فيكون صحيحًا لا يفسد البيع باشتراطه فيه وإن كان مخالفًا للقواعد لأن القواعد تترك بالتعامل كما في الاستصناع.

وذهب أبو شجاع وعلي السغدي والقاضي أبو الحسن الماتريدي من الحنفية إلى أن بيع الوفاء رهن وليس ببيع، فيثبت له جميع أحكام الرهن، فلا يملكه المشتري ولا ينتفع به ولو استأجره لم تلزمه أجرته كالراهن إذا استأجر المرهون من المرتهن ويسقط الدين بهلاكه ولا يضمن ما زاد عليه - وإذا مات الراهن كان المرتهن أحق به من سائر الغرماء، وحجتهم في ذلك أن العبرة في العقود للمعاني لا للألفاظ والمباني، ولهذا كانت الهبة بشرط العوض بيعًا وكانت الكفالة بشرط براءة الأصيل حوالة وأمثال ذلك كثير في الفقه.

وهذا البيع لما شرط فيه أخذ المبيع عند رد الثمن كان رهنًا لأنه هو الذي يؤخذ عند أداء الدين.

قال ابن عابدين: في بيع الوفاء قولان الأول: أنه بيع صحيح مفيد لبعض أحكامه من حل الانتفاع به إلا أنه لا يملك المشتري بيعه، قال الزيلعي في الإكراه وعليه الفتوى. الثاني: القول الجامع لبعض المحققين أنه فاسد في حق بعض الأحكام حتى ملك كل منهما الفسخ - صحيح في حق بعض الأحكام كحل الإنزال ومنافع المبيع ورهن في حق البعض حتى لم يملك المشتري بيعه من آخر ولا رهنه، وسقط الدين بهلاكه فهو مركب من العقود الثلاثة كالزرافة فيها صفة البعير والبقرة والنمر، جوز لحاجة الناس إليه بشرط سلامة البدلين لصاحبهما، قال في البحر: وينبغي أن لا يعدل في الإفتاء عن القول الجامع، وفي النهر: والعمل في ديارنا على ما رجحه الزيلعي.

وقال صاحب بغية المسترشدين من متأخري الشافعية: بيع العهدة صحيح جائز وتثبت به الحجة شرعًا وعرفًا على قول القائلين به، ولم أر من صرح بكراهته، وقد جرى عليه العمل في غالب جهات المسلمين من زمن قديم، وحكمت بمقتضاه الحكام وأقره من يقول به من علماء الإسلام مع أنه ليس من مذهب الشافعي وإنما اختاره من اختاره ولفقه من مذاهب للضرورة الماسة إليه ومع ذلك فالاختلاف في صحته من أصله وفي التفريع عليه لا يخفى على من له إلمام بالفقه.

<<  <  ج: ص:  >  >>