إذا تتبعنا ما أورده المذهب الحنبلي من صور لما يصح التعاقد عليه بعقد السلم من الأشياء التي لابد من صنعة تجري فيها، وتبرزها وتعطيها هذا الاسم الذي تم التعاقد عليه، والذي هو محل عقد السلم، تجد أن هنا صورًا متعددة، كلها تحتاج إلى قيام البائع بصنعها وتقديمها عند حلول الأجل (الأجل الذي نص عليه في عقد السلم) تامة طبقًا للأوصاف التي نص عليها في هذا العقد.
فقد صح في المذهب السلم في الغزل، والثياب، والرصاص، والنحاس، والحديد، والبلور، والسيوف، والنشاب، والنبل المريشين والقوس، والآجر، واللبن، ونحو ذلك ولا شك أن كل هذه الأشياء لابد فيها من صنعة تأتي عليها وجهد وعمل في استخراجها، واستخلاصها، وصياغتها، وصنعها ...
ونوضح ذلك فيما يلي:
* فالغزل لا يكون إِلَّا بعد غزَّالٍ، يجعل القطن أو الصوف أو الحرير وغيرها مغزولًا ليصبح صالحا للنسج.
* والثياب لا تكون كذلك إلَّا بعد حياكتها وإعدادها للبس سواء أكانت من نوع واحد من الغزل أو أكثر من نوع، مصبوغة أو غير مصبوغة، والصبغ يحتاج إلى صباغ، والغزل يحتاج إلى غزال، والثوب يحتاج إلى حائك.
* ومثل ذلك الرصاص والنحاس والحديد، والبلور، كل ذلك يحتاج إلى مصانع لاستخلاصه من الخام الذي يعطي ذلك، بل يحتاج إلى أكثر من خام ليأخذ هذا الاسم في بعض المعادن.
* ومثل ذلك الأواني، والقصاع والأقداح، فلا بد من وجود صانع يقوم بصياغة المادة المتخذ منها كل نوع حتى تأخذ هذا الاسم.
ومثل ذلك السيوف، والنشاب، والنبل، ونحو ذلك من أنواع الأسلحة ...
كل ذلك أيضا يحتاج إلى صناعة تقوم على مدين المعسر معدما، أي إنه يملك بعض المال، ولكنه قليل لا يكاد يكفيه للإنفاق على نفسه وعياله بالمعروف وقضاء دينه إلا بمشقة وضيق وضرر. فقد قال ابن رشد فيه: " وأما المعسر الذي ليس بمعدم – وهو الذي يحرجه تعجيل القضاء ويضر به – فتأخيره إلى أن يوسر ويمكنه القضاء من غير مضرة. تلحقه مرغب فيه ومندوب إليه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا أَظَلَّهُ اللَّهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ)) كما رأينا في صدر ما نقلناه عن المذهب بعدم صحة عقد الاستصناع، كعقد مغاير، عن عقد السلم له خواصه وأحكامه.