للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المطلب الثاني

صور لها تعلق باستصناع السلعة

الصورة الأولى:

صورة يكون فيها الشيء المستصنع، قد تم صنع بعضه، ولم يتم الانتهاء من تصنيعه جميعه – كما في ثوب نسج بعضه، ولم يتم نسج باقيه (١) ففي هذه الصورة وجد بعض المعقود عليه (الثوب المنسوج بعضه) وبعضه لم يوجد (وهو باقي الثوب الذي لم ينسج بعد) فالتعاقد على هذا الثوب جمع بين موجود، ومعدوم، فهل يصح التعاقد (بيعًا) على مثل ذلك؟

لقد ظهر في المذهب رأي حكي بـ (قِيلَ) مما ينبئ عن ضعفه أنه يصح التعاقد على ذلك إن صح الجمع في عقد واحد بين بيع وإجارة منه.

ولكن الرأي في المذهب أنه لا يصح العقد على ذلك، حيث قالوا:

(لا يصح بيع ثوب نسج بعضه على أن ينسج بقيته، وعللوا – تبعا للقاضي (في تعليله لعدم صحة استصناع سلعة الذي قدمناه) بأن بيع المنسوج بيع عين، والباقي موصوف في الذمة، ولا يصح أن يكون الثوب الواحد بعضه بيع عين، وبعضه مسلم فيه لأن الباقي سلم في أعيان، وذلك لا يجوز، ولأنه بيع وسلم، واستئجار، فاللحمة غائبة، فهي سلم فيه، والنسج استئجار.

واقتصر على هذا الحكم في المستوعب والحاويين، والفروع، وغيرهم، وقدمه في الرعاية الكبرى وقال: وقيل يصح بيعه إلى المشتري، إن صح جمع بين بيع وإجارة منه بعقد واحد، لأنه بيع وسلم، أو شرط فيه نفع البائع) .

* أما الجمع بين بيع وإجارة في المذهب الحنبلي في عقد واحد على محل واحد، وذلك كما لو اشترى ثوبا وشرط على البائع خياطته، أو زرعا وشرط على البائع حصاده، أو قطعة حديد وشرط على البائع ضربها سيفا، ونحو ذلك، فإن المذهب يرى صحة هذا العقد لأن كل واحد منهما يصح إفراده بالعقد واجتماع هذين العقدين صحيح، فيقاس عليه اشتراط قيام البائع بعمل في المبيع فيكون صحيحًا متى كان هذا العمل معلومًا.

وبناء على ذلك تصح هذه الصورة التي معنا، لأنها جمعت بين بيع وسلم على محل واحد، وليست من قبيل جمع بين عقد بيع عين، وعقد سلم على محل آخر، إذ لا يصح في المذهب اجتماع عقدين في عقد، للنهي عن ذلك فقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة.

أو أنها تصح على أنها بيع شرط فيه نفع البائع، فقد نص المذهب على جواز اشتراط شرط يحقق نفعًا مباحًا لأحد المتعاقدين، كما في الأمثلة التي ذكرناها آنفا (في الجمع بين بيع وإجارة) إذ هي تحقق نفعًا لأحد المتعاقدين: البائع أو المشتري وكل هذه الصور ترد على محل عقد البيع فقط (وليست على محلين حتى تكون من باب عقدين في عقد) كما لو اشترى قطعة حديد وشرط على البائع ضربها سيفًا ونحو ذلك فإنه يجوز، فقد روي عن محمد بن مسلمة أنه اشترى من نبطي حزمة حطب، وشارطه على حملها.

وبناء على هذا التوجيه أيضًا تصح هذه الصورة التي معنا. كما صحت في المذهب المالكي.

الصورة الثانية:

كما أثار المذهب صورة أخرى، وهي أن البائع أحضر لحمة الثوب وباعها مع الثوب وشرط على البائع نسجها.

ذكر المرداوي أنه (إن أحضر اللحمة وباعها مع الثوب، وشرط على البائع نسجها فعلى الروايتين في اشتراط منفعة البائع. أي كما ذكرنا في الصورة السابقة) .


(١) هذه الصورة هي الصورة التي أثارها المالكية يراجع: ص٤٦٢

<<  <  ج: ص:  >  >>