للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثانيًا – دليل مشروعيته:

ذهب الحنفية – عدا زفر – إلى جواز الاستصناع، واستدلوا على مشروعيته بما يأتى:

١- إن الرسول صلى الله عليه وسلم استصنع خاتمًا ومنبرًا.

٢- الإجماع الثابت بالتعامل.

٣- الاستحسان.

وذكروا أن المانعين استدلوا بأنه بيع معدوم، وبيع ما ليس عند البائع على غير وجه السلم، فهو مخالف للقياس، وردوا بالإجماع المؤيد بالسنة المطهرة، فلننظر فيما ذكر من الأدلة.

السنة المطهرة والإجماع:

لو كان الاستصناع الذي ذهب إليه جمهور الحنفية ثابتًا بالسنة والإجماع فكيف خالفهم باقي الأئمة الأعلام؟

واستصناع الخاتم والمنبر جاء في الصحيحين وغيرهما، ولا خلاف في أن الرسول صلى الله عليه وسلم اصطنع خاتمًا كتب عليه "محمد رسول الله" واصطنع منبرًا، أَفَتَرَكَ الأئمة هذه السنة الصحيحة الثابتة، وخرجوا على الإجماع؟

هذا أمر مستبعد كل الاستبعاد، ولذلك لم يثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم اصطنع الخاتم والمنبر بطريقة الاستصناع التي قال بها الحنفية، وليس هناك إجماع على هذه الطريقة، بل الأقرب إلى الإجماع هو مخالفتها وعدم جوازها، فما مراد الحنفية من هذا الاستدلال؟

قال صاحب الهداية: (ولا بأس بالسلم في طست أو قمقمة أو خفين أو نحو ذلك إذا كان يعرف) لاستجماع شرائط السلم، (وإن كان لا يعرف فلا خير فيه) لأنه دين مجهول، قال: (وإن استصنع شيئًا من ذلك بغير أجل جاز استحسانًا) للإجماع الثابت بالتعامل) . (فتح القدير: ٦/٢٤١ – ٢٤٢) .

قال صاحب الكفاية في شرحه بعد ما سبق مباشرة:

(الجواز ثابت بالإجماع، وإنما الاختلاف في أنه بيع، أو عدة، أو إجارة) . اهـ.

ولو كان العقد إجارة فلا خلاف حول جوازه، ولكن شرط الاستصناع عندهم أن يكون ما يصنع من عند الصانع لا المستصنع، وهذا خلاف الإجارة.

ولو كان عدة، ولا يتم التعاقد إلا بعد انتهاء الصانع، فهو بيع لمبيع حاضر غير معدوم، ومن المعلوم أن هذا جائز، غير أن جمهور الحنفية رفضوا القول بأنه وعد، والصحيح من المذهب أنه بيع، ولذلك قالوا بأنه مخالف للقياس.

وقال صاحب الهداية: (جواز السلم بإجماع لا شبهة فيه، وفي تعاملهم الاستصناع نوع شبهة) .

وقال صاحب العناية في شرحه:

[ (قوله: وجواز السلم بإجماع لا شبهة فيه) أي بإجماع الصحابة (وقوله وفي تعاملهم نوع شبهة) ، فإن عند زفر والشافعي – رحمهما الله – لا يجوز، ولأنه نقل من الصحابة – رضي الله عنهم – تعاملهم السلم، وتأيد الإجماع في السلم بظاهر الكتاب والسنة المشهورة، وفي نقل الصحابة في تعاملهم الاستصناع شبهة] . اهـ. (راجع فتح القدير: ٦/٢٤٥) .

إذن رأي الحنفية في الاستصناع لا يؤيده سنة ولا إجماع.

<<  <  ج: ص:  >  >>