للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المبحث الثالث

الاستصناع عند الحنفية

أولًا – معناه:

قال الكاساني في بدائع الصنائع (٥/٢) :

" وأما معناه فقد اختلف المشايخ فيه، قال بعضهم هو مواعدة وليس ببيع، وقال بعضهم: هو بيع لكن للمشتري فيه خيار، وهو الصحيح، بدليل أن محمدًا رحمه الله ذكر في جوازه القياس والاستحسان وذلك لا يكون في العدات، وكذا أثبت فيه خيار الرؤية، وأنه يختص بالبياعات، وكذا يجري فيه التقاضي، وإنما يتقاضى فيه الواجب لا الموعود. ثم اختلفت عباراتهم عن هذا النوع من البيع: قال بعضهم هو عقد على مبيع في الذمة وقال بعضهم هو عقد على مبيع في الذمة شرط فيه العمل.

وجه القول الأول أن الصانع لو احضر عينًا كان عملها قبل العقد ورضي به المستصنع لجاز، ولو كان شرط العمل من نفس العقد لما جاز؛ لأن الشرط يقع على عمل في المستقبل لا في الماضي. والصحيح هو القول الأخير، لأن الاستصناع طلب الصنع، فما لم يشترط فيه العمل لا يكون استصناعًا، فكان مأخذ الاسم دليلًا عليه، ولأن العقد على مبيع في الذمة يسمى سلمًا، وهذا العقد يسمى استصناعًا، واختلاف الأسامي دليل اختلاف المعاني في الأصل.

وأما إذا أتى الصانع بعين صنعها قبل العقد ورضي به المستصنع فإنما جاز لا بالعقد الأول بل بعقد آخر، وهو التعاطي بتراضيهما". اهـ.

ويؤخذ من كلام الكاساني أن الحنفية اختلفوا في تحديد معنى الاستصناع: أيعد مواعده أم بيعًا؟

وذكر أن الصحيح أنه بيع، واستدل لقوله، ثم بيَّن أنهم اختلفوا في بيان هذا النوع من البيع: أهو عقد على مبيع في الذمة، أم عقد على مبيع في الذمة شرط فيه العمل؟

وذكر أن الصحيح هو اشتراط العمل.

وقال ابن الهمام في فتح القدير (٦/٢٤٢) :

(اختلف المشايخ أنه مواعدة أو معاقدة. فالحاكم الشهيد والصفار ومحمد بن سلمة وصاحب المنثور "مواعدة" وإنما ينعقد عند الفراغ بيعًا بالتعاطي، ولهذا كان للصانع أن لا يعمل ولا يجبر عليه بخلاف السلم، وللمستصنع أن لا يقبل ما يأتي به ويرجع عنه، ولا تلزم المعاملة، وكذا المزارعة على قول أبي حنيفة، لفسادها مع التعامل لثبوت الخلاف فيهما في الصدر الأول، وهذا كان على الاتفاق. والصحيح من المذهب جوازه بيعًا لأن محمدًا ذكر فيه القياس والاستحسان ... إلخ) . اهـ.

وابن الهمام هنا ذكر أربعة من الحنفية ذهبوا إلى أنه مواعدة، بَيَّنَ أدلتهم، ثم انتهى إلى ما انتهى إليه الكاساني.

<<  <  ج: ص:  >  >>