ذكر ابن القيم في إعلام الموقعين ٣/٣٧١، وإغاثة اللفهان ٢/١١، أن الحطيطة عكس الربا. وهذا صحيح في اللغة وفي الحكم. فأما في اللغة فواضح أن الحطيطة نقصان والربا زيادة، فالحطيطة إذن هي عكس الربا. وأما في الحكم فقد بينا، لدى كلامنا عن تعليل ابن عباس في المبحث السابق، أن الحطيطة للتعجيل جائزة في كل من البيع والقرض، في حين أن الزيادة للتأجيل جائزة في البيع دون القرض.
وعلى هذا يستقيم كلام ابن القيم، إذا افترضنا وصفًا محذوفًا للربا هو " الحرام "، فتصبح العبارة: الحطيطة عكس الربا "الحرام"، في الحكم. ومع أنني لم أعثر فيما قرأت لابن القيم على قول صريح بأن الربا ربوان، حلال وحرام، إلا أنني افترضه، حملًا لقوله على قول ابن عباس (والقولان متقاربان) ، ولقوله في بعض كتبه:(إذا تساوى النقد والنسيئة، فالنقد خير)[الجواب الكافي: ص٣٨، وانظر: كتابي عن بيع التقسيط: ص٦٨] .
فالحطيطة نقصان للتعجيل، والربا زيادة للتأجيل، فكلاهما تغير مناسب في المبلغ لأجل الزمن. وفي حين أن الأول جائز في كل من البيع والقرض، فإن الآخر جائز في البيع دون القرض. فكأن الأول جائز دائمًا (بافتراض العلاقة ثنائية، لا ثلاثية كما في الحطيطة المصرفية) ، والآخر حرام في حال، حلال في حال. فصار المعنى: الحطيطة جائزة، فهي إذن عكس الربا "الحرام"[قارن كتابي بيع التقسيط: ص٤٧ – ٤٨] .
٣-٥- الحطيطة للتعجيل بين الخصم المصرفي وخصم تعجيل الدفع:
ظاهر مما تقدم (٣-٢ و ٣–٣ و ٣-٤) أننا فرقنا في الحكم بين الخصم المصرفي وخصم تعجيل الدفع، حيث منعنا الأول وأجزنا الآخر. تعليل ذلك أن خصم تعجيل الدفع علاقة بين متبايعين، لا وسيط بينهما، مثله في ذلك مثل الزيادة للتأجيل في البيوع المؤجلة، اخترنا جوازها مع الجمهور، كما اخترنا جواز الحطيطة مع البعض. أما الخصم المصرفي (أو خصم الأوراق التجارية) فهو علاقة بين متبايعين، دخلها ثالث وسيط (هو المصرف) ، يقرض مبلغًا ليسترد أعلى منه، فهذا ربا نسيئة محرم.