المقصود الأمن من العاهة، وذلك يحصل بشروع الثمر في الصلاح. ومأخذ من منع ذلك: أن قول النبي صلى الله عليه وسلم: «حتى يبدو صلاحها (١)» يقتضي بدو صلاح الجميع.
والغرض من هذه المذاهب: أن من جوز بيع البستان من الجنس الواحد لبدو الصلاح في بعضه، فقياس قوله: جواز بيع المقتاة إذا بدا صلاح بعضها. والمعدوم هنا فيها كالمعدوم من أجزاء الثمرة، فإن الحاجة تدعو إلى ذلك أكثر؛ إذ تفريق الأشجار في البيع أيسر من تفريق البطيخات والقثاءات والخيارات، وتمييز اللقطة عن اللقطة لو لم يشق، فإنه أمر لا ينضبط. فإن اجتهاد الناس في ذلك متفاوت.
والغرض من هذا: أن أصول أحمد تقتضي موافقة مالك في هذه المسائل، كما قد يروى عنه في بعض الجوابات أو قد خرجه أصحابه على أصوله وكما أن العالم من الصحابة والتابعين والأئمة كثيرا ما يكون له في المسألة الواحدة قولان في وقتين، فكذلك يكون له في النوع الواحد من المسائل قولان في وقتين، فيجيب في بعض أفرادها بجواب في وقت، ويجيب في بعض الأفراد بجواب آخر في وقت آخر، وإذا كانت الأفراد مستوية كان له فيها قولان، فإن لم يكن بينهما فرق يذهب إليه مجتهد، فقالت طائفة منهم أبو الخطاب: لا يخرج، وقال الجمهور - كالقاضي أبي يعلى - يخرج الجواب، إذا لم يكن هو ممن يذهب إلى الفرق كما اقتضته أصوله، ومن هؤلاء من يخرج الجواب إذا رآهما مستويين، وإن لم يعلم هل هو ممن يفرق أم لا، وإن فرق بين بعض الأفراد وبعض مستحضرا لهما، فإن كان سبب الفرق مأخذا شرعيا كان الفرق قولا له، وإن كان سبب الفرق مأخذا عاديا أو حسيا ونحو ذلك مما قد يكون أهل الخبرة به أعلم من الفقهاء الذين لم يباشروا ذلك، فهذا في الحقيقة
(١) صحيح البخاري الزكاة (١٤٨٦)، صحيح مسلم البيوع (١٥٣٤)، سنن أبو داود البيوع (٣٣٦٧)، سنن ابن ماجه التجارات (٢٢١٤)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ١٢٣)، موطأ مالك البيوع (١٣٠٣)، سنن الدارمي البيوع (٢٥٥٥).