وقال المتقدمون: لا يجوز بحال وهو معنى كلامه ومنصوصه. وهو إنما نهى عما يعتاده الناس، وليست العادة جارية في البطيخ والقثاء والخيار أن يباع دون عروقه، والأصل الذي قاسوا عليه ممنوع عنده. فإن المنصوص عنه في رواية الأثرم، وإبراهيم بن الحارث في الشجر الذي عليه ثمر لم يبد صلاحه أنه إن كان الأصل هو مقصوده الأعظم جاز، وأما إن كان مقصوده الثمرة فاشترى الأصل معها حيلة لم يجز، وكذلك إذا اشترى أرضا وفيها زرع أو شجر مثمر لم يبد صلاحه، فإن كانت الأرض هي المقصود: جاز دخول الثمر والزرع معها تبعا. وإن كان المقصود هو الثمر والزرع، فاشترى الأرض لذلك لم يجز، وإذا كان هذا قوله في ثمرة الشجر، فمعلوم أن المقصود من المقاتي والمباطخ إنما هو الخضروات دون الأصول التي ليس لها إلا قيمة يسيرة بالنسبة إلى الخضر.
وقد خرج ابن عقيل وغيره وجهين:
أحدهما: جواز بيع المغيبات بناء على إحدى الروايتين عنه في بيع ما لم يره. ولا شك أنه ظاهر فإن المنع إنما يكون على قولنا: لا يصح بيع ما لم يره. فإذا صححنا بيع الغائب فهذا من الغائب.
والثاني: أنه يجوز بيعها مطلقا، كمذهب مالك، إلحاقا لها بلب الجوز. وهذا القول هو قياس أصول أحمد وغيره لوجهين:
أحدهما: أن أهل الخبرة يستدلون برؤية ورق هذه المدفونات على حقيقتها ويعلمون ذلك أجود مما يعلمون العبد برؤية وجهه، والمرجع في كل شيء إلى الصالحين من أهل الخبرة به وهم يقرون بأنهم يعرفون هذه الأشياء كما يعرفون غيرها مما اتفق المسلمون على جواز بيعه وأوكد.