للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نجسة، وأبو حنيفة نظر إلى هذا المعنى فقال الماء ينجس بوقوعها فيه وإن كان يزيلها عن غيره كما ذكرناه، فإذا كانت النصوص وقول الجمهور على أنها لا تنجس بمجرد الوقوع مع الكثرة كما دل عليه قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الماء طهور لا ينجسه شيء (١)». وقوله: «إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث (٢)» فإنه إذا كان طهورا يطهر به غيره علم أنه لا ينجس بالملاقاة إذ لو نجس بها لكان إذا صب على النجاسة ينجس بملاقاتها، فحينئذ لا ينجس بوقوع النجاسة فيه لكن إن بقيت عين النجاسة حرمت، وإن استحالت زالت فدل ذلك على أن استحالة النجاسة بملاقاته لها فيه لا ينجس، وإن لم تكن قد زالت عن المحل فإن من قال إنه يدفعها عن نفسه كما يزيلها عن غيره فقد خالف المشاهدة.

وهذا المعنى يوجد في سائر الأشربة من المائعات وغيرها.

(الوجه الثاني) أن يقال غاية هذا أن يقتضي أنه يمكن إزالة النجاسة بالمائع، وهو أحد القولين في مذهب مالك وأحمد كما هو مذهب أبي حنيفة وغيره، وأحمد جعله لازما لمن قال إن المائع لا ينجس بملاقاة النجاسة، وقال: يلزم على هذا أن تزال به النجاسة، وهذا لأنه إذا دفعها عن نفسه دفعها عن غيره كما ذكروه في الماء، فيلزم جواز إزالة النجاسات بكل مائع طاهر مزيل للعين قلاع للأثر على هذا القول. وهذا هو القياس فنقول به على هذا التقدير - وإن كان لا يلزم من دفعها عن نفسه دفعها عن غيره لكون الإحالة أقوى من الإزالة فيلزم من قال إنه يجوز إزالة النجاسة بغير الماء من المائعات إن لكون المائعات كالماء فإذا كان الصحيح في الماء أنه لا ينجس إلا بالتغير إما مطلقا وإما مع الكثرة فكذلك الصواب في المائعات. وفي الجملة التسوية بين الماء والمائعات ممكن على التقديرين. وهذا مقتضى النص والقياس في مسألة إزالة النجاسات وفي مسألة ملاقاتها للمائعات الماء وغير الماء. ومن تدبر الأصول المنصوصة المجمع عليها والمعاني الشرعية المعتبرة في الأحكام الشرعية تبين له أن هذا هو أصوب الأقوال، فإن نجاسة الماء والمائعات بدون التغير بعيد عن ظواهر النصوص والأقيسة وكون حكم النجاسة يبقى في مواردها بعد إزالة النجاسة بمائع أو غير مائع بعيد عن الأصول وموجب القياس ومن كان فقيها


(١) سنن الترمذي الطهارة (٦٦)، سنن النسائي المياه (٣٤٨)، سنن أبو داود الطهارة (٦٦)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٤٢٠).
(٢) سنن الترمذي الطهارة (٦٧)، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (٥١٧)، سنن الدارمي الطهارة (٧٣١).