للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سالم بن أبي الجعد عن جابر بن عبد الله فذكر هذا الخبر وفيه: «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له: ما فعل الجمل؟ بعنيه قلت: يا رسول الله بل هو لك قال: لا بل بعنيه، قلت: لا: بل هو لك قال: (لا بل) بعنيه قد أخذته بأوقية، اركبه فإذا قدمت المدينة فأتنا به، فلما قدمت المدينة جئته به فقال لبلال (يا بلال) زن له أوقية وزده قيراطا (٤)» هكذا رويناه من طريق عطاء عن جابر.

قال أبو محمد: روى هذا أن ركوب جابر للجمل كان تطوعا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واختلف فيه على الشعبي وأبي الزبير، فروي عنهما عن جابر أنه كان شرطا من جابر، وروي عنهما أنه كان تطوعا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنحن نسلم لهم أنه كان شرطا ثم نقول لهم وبالله تعالى التوفيق: إنه قد صح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «قد أخذته بأوقية (٥)» وصح عنه عليه السلام أنه قال: «أتراني ماكستك لآخذ جملك ما كنت لآخذ جملك ذلك فهو مالك (٦)» كما أوردنا آنفا، فصح يقينا أنهما أخذان، أحدهما فعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والآخر لم يفعله بل انتفى منه. ومن جعل كل ذلك أخذا واحد فقد كذب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في كلامه وهذا كفر محض. فإذا لا بد من أنهما أخذان؛ لأن الأخذ الذي أخبر به عليه السلام عن نفسه هو بلا شك غير الأخذ الذي انتفى عنه البتة، فلا سبيل (٧) إلى غير ما يحمل عليه ظاهر الخبر وهو أنه عليه السلام أخذه وابتاعه ثم تخير قبل التفرق ترك (٨) أخذه، وصح أن في حال المماكسة كان ذلك أيضا في نفسه عليه السلام؛ لأنه عليه السلام أخبره أنه لم يماكسه ليأخذ جمله، فصح أن البيع لم يتم فيه قط فإنما اشترط جابر ركوب جمل نفسه فقط، وهذا هو مقتضى لفظ الأخبار إذا جمعت ألفاظها، فإذ قد صح أن ذلك البيع لم يتم ولم يوجد في شيء من ألفاظ ذلك الخبر أصلا أن البيع تم بذلك الشرط فقد بطل أن يكون في هذا الخبر حجة في جواز بيع الدابة واستثناء ركوبها أصلا وبالله تعالى التوفيق.

فأما الحنيفيون، والشافعيون فلا يقولون بجواز هذا الشرط أصلا، فإنما الكلام بيننا وبين المالكيين فيه فقط، وليس في هذا الخبر تحديد يوم ولا مسافة قليلة من كثيرة ومن ادعى ذلك فقد كذب، فمن أين خرج لهم تحديد مقدار دون مقدار؟ ويلزمهم - إذ لم يجيزوا بيع الدابة على شرط ركوبها شهرا ولا عشرة أيام، وأبطلوا هذا الشرط وأجازوا بيعها واشتراط ركوبها مسافة يسيرة - أن يحدوا المقدار الذي يحرم به ما حرموه من ذلك المقدار الذي حللوه، هذا فرض عليهم وإلا فقد تركوا من اتبعهم في سخنة عينه وفي ما لا يدري لعله يأتي حراما (٩) أو يمنع


(١) صحيح البخاري البيوع (٢٠٩٧)، صحيح مسلم الرضاع (٧١٥)، سنن النسائي البيوع (٤٦٣٩).
(٢) في سنن النسائي ج ٧ ص ٢٩٩ قلت: بل هو لك يا رسول الله. (١)
(٣) الزيادة من سنن النسائي. (٢)
(٤) الزيادة من سنن النسائي. (٣)
(٥) مسند أحمد بن حنبل (٣/ ٣١٤).
(٦) صحيح مسلم المساقاة (٧١٥).
(٧) في النسخة رقم ١٦ (إذا لا سبيل).
(٨) في النسخة رقم ١٤ (وترك).
(٩) في النسخة رقم ١٤ (يأتي محرما).