للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واصطلاحاتها، أطلق فقهاء الحنفية الفساد على معنى تشريعي مدني جديد، فاستعملوه للدلالة على حالة يعتبرون فيها العقد مختلاًّ في بعض نواحيه الفرعية اختلالاً يجعله في مرتبةٍ بين الصحة والبطلان، فلا هو بالباطل غير المنعقد؛ لأن مخالفته لنظامه الشرعي ليست مخالفة في ناحية جوهرية، كما في حالة البطلان، ولا هو بالصحيح التام الاعتبار؛ لأن فيه إخلالاً بنظام التعاقد، ولو أن هذا الإخلال في ناحية فرعية غير جوهرية .. فالعقد عند جمهور المجتهدين- بالنسبة إلى وجوده الاعتباري وعدمه- هو بين حالتين اثنتين: إما صحيح، وهو المنعقد، وإما باطل أو فاسد، وهو غير المنعقد، وذلك عندما يخالف العقد الأمر والنهي الشرعيين في نظام التعاقد. غير أن الاجتهاد الحنفي لحظ أن صور المخالفات ليست في درجة واحدة، بل منها مخالفات أساسية، ومنها فرعية، فلا ينبغي أن تكون النتيجة واحدة في الحالين؛ لأن قوة الجزاء المؤيد يجب أن تتناسب مع رجة المخالفة للنظام، والعقد المخالف لنظامه في ناحيةٍ فرعية فقط، هو موافق للنظام المشروع في جميع النواحي الأساسية، وتوافرت فيه أركانه وسائر مقوماته وشرائطها، فيجب أن يكون في مرتبة بين البطلان والصحة) (١)

فقد نقلنا هذا النص -بطوله- من كلام الشيخ الزرقا؛ لأنه موضح تمامًا لمنشأ نظرية الفساد، التي كان الاجتهاد الحنفي رائدها.


(١) المدخل الفقهي (٢/ ٦٧٣ - ٦٧٤). ') ">