للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على مالك بن أنس في مرضه الذي مات فيه؛ فسلمت عليه، فجلست فرأيته يبكي! فقلت: يا أبا عبد الله وما يبكيك؟ فقال لي: يا ابن قعنب، وما لي لا أبكى؟ ومن أحق بالبكاء مني؟ والله لوددت أني ضربت لكل مسألة أفتيت فيها برأيي بسوط، وقد كانت لي السعة فيما سبقت إليه، وليتني لم أفت بالرأي!! " (١).

ولقد سئل هذا الإمام العلم عن مسألة عقدية تتعلق بصفات الله تعالى، فأفتى فيها عن علم وفقه، فكانت فتواه شافية كافية في المسألة ذاتها، إلا أن أثرها تعدى خصوص المسألة لتكون منهجا علميا ينسحب على هذه المسألة ومثيلاتها من مسائل الصفات أو الأمور الغيبية التي يعجز العقل عن إدراكها.

ساق الإمام الذهبي - رحمه الله - بسنده هذه المسألة؛ إلى جعفر بن عبد الله قال: كنا عند مالك، فجاءه رجل، فقال: يا أبا عبد الله! {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (٢) كيف استوى؟ فما وجد مالك من شيء ما وجد من مسألته، فنظر إلى الأرض، وجعل ينكت بعود في يده، حتى علاه الرحضاء (العرق) ثم رفع رأسه، ورمى بالعود، وقال: " الكيف منه غير معقول، والاستواء منه غير مجهول، والإيمان به


(١) (وفيات الأعيان) (٤/ ١٣٧ - ١٣٨).
(٢) سورة طه الآية ٥